دعاة وخبراء للأسر: «الحب والرفق» أساس التربية السليمة

جمعة, 01/01/2016 - 13:52

أوصى دعاة وخبراء تربويون باعتماد المحبة والمودة والرفق أسلوبا لتربية الأبناء، وطريقا لإخراج جيل متمسك بدينه وأخلاقه وقادر على بناء أمته ووطنه، جاء ذلك في الملتقى السنوي لمؤسسة الشيخ ثاني بن عبدالله للخدمات الإنسانية «راف» الذي يحمل شعارا سنويا «طفلك استثمار ناجح»وتنظمه الإدارة النسائية سنويا منذ ثلاثة أعوام، ويحمل كل عام عنوانا وقضية جديدة، ويسعى ليكون مبادرة تربوية تجمع المختصين والخبراء والتربويين لمعالجة مشاكل التربية والطفولة، ومناقشة أهم القضايا المتعلقة بتربية الجيل، وطرح الحلول واقتراح التوصيات.. وذلك في إطار رؤية قطر 2030 التي تضع الاستثمار في الإنسان على أولى سلم أولوياتها، وتجعله قيمة أساسية للتنمية والنهضة. 

ولأن تربية الأبناء في عالمنا المعاصر لم تعد بالأمر الهين، في الوقت الذي ضعف فيه دور الوالدين والأسرة في القيام بالدور المنوط بهما بسبب الانشغال وأعباء الحياة اليومية وضغوطها، فضلا عن تفكك الأسر الفعلي بسبب وسائل التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا الحديثة التي لا تفارق أفراد الأسرة كبارا وصغارا، كان لا بد من وقفات جادة أمام هذه القضية، لتأخذ بأيدي الآباء والأمهات والتربويين نحو الطريق القويم في تربية الأبناء وتفتح أمامهم السبل وترشدهم إلى أفضل الطرق والمناهج لتربية طفل سليم من كافة النواحي.

مخرجات التربية
وقال الدكتور عائض بن دبسان القحطاني، رئيس مجلس الأمناء ومدير عام مؤسسة «راف»: «إن واقعنا المعاصر يحتم علينا الاهتمام بالتربية ومخرجاتها، وأن نناقش أهم الطرق والاتجاهات المثمرة في عملية التربية»، منوها بجهود الإدارة النسائية في عقد هذا الملتقى واختيار القضايا التي تطرح فيه، والتي كان منها هذا العام قضية التربية بالحب «خاصة أنه ليس هناك أقوى وأنفع من التربية بالحب، ونتدارس سويا كيف نغرس الحب في ضمائرهم، فالتربية مهمة كبرى وغاية عظمى تستحق منا الاهتمام والعمل» موضحا أن هذا الملتقى ينظم سنويا ليكون نبراسا للتربويين وملتقى للمصلحين، للاسترشاد بفاعلياته في تربية جيل رائد وواعد يحب وطنه ويعمل على رفعته.

تنمية الثقافة
وتؤكد غادة أبوجسوم، مدير الفرع النسائي لمؤسسة «راف» أن الاستثمار في الطفل أمر هام للغاية لأي مجتمع، وأن عقد مثل هذه المؤتمرات والملتقيات يأتي في إطار المساهمة في تحقيق رؤية قطر 2030 ودعمها، وتعود بنا أبوجسوم إلى بدايات المؤتمر قبل ثلاث سنوات قائلة: «فكرة الملتقى جاءت بحكم تخصصي كصيدلانية، فحينما كنت أعمل في هذا المجال قبل سنوات، كانت المؤتمرات العلمية عن الصيدلة والأدوية والتعرف الجديد في عالمها أمرا معتادا ودوريا، ويفدينا كثيرا في مجال عملنا وتخصصنا، ففكرت أنه من باب أولى القيام بعمل مثل هذه المؤتمرات والملتقيات عن موضوعات تخص الطفل وتربيته، فالهدف الأساسي في هذا الملتقى هو تنمية ثقافة الانتماء لدى الأطفال وأسرهم، وتنوير الفكر النفسي والاجتماعي لدى الآباء والأمهات، وتعريف الأسرة دائما بكل ما هو جديد لتلك المرحلة العمرية، فمن البداية لو أعطينا الحب والقيم وكل احتياجات هذه المرحلة العمرية، وعرفنا كيف نتعامل مع هذا الطفل وسط كل هذا الزخم التقني والمؤثرات الخارجية الموجودة، سيسهل عليّ أن أكمل مع الطفل بشكل ناجح، وإذا كانت هناك مقولة مأثورة مفادها أنه «كلما كبروا زاد همهم»، فالصحيح أن نقول إنه كلما غرست من الصغر كلما ارتحت عندما يكبر ابنك، وفي النهاية الله هو المعين».

استثمار ناجح
وتابعت «في الملتقى الأول كنا نتحدث عن احتياجات الطفل، واخترنا له عنوان «طفلك استثمار ناجح» –الذي أصبح فيما بعد شعارا دائما لملتقانا السنوي-، واستهدفنا العمر من 4 إلى 6 سنوات، والمميز لهذا الملتقى أننا نحدد عمرا معينا لكل نسخة، أما الملتقى الثاني فكان بعنوان «الطفل والتقنية»، وتناول المتحدثون فيه مخاطر التقنية وكيفية تعامل هذه الفئة العمرية من 4 إلى 6 سنوات، وأثناء الملتقى الثاني كانت ضيفة الشرف معنا الدكتورة رقية محارب الداعية المعروفة، وقالت لنا: يجب أن يكون ملتقاكم الثالث عن الحب لأن تربية الطفل لا تكون إلا بالحب، وبالفعل عملنا على هذا العنوان، وقمنا بإعدادات مسبقة وعمل مكثف، واختيار للمتحدثين والتربويين والمتخصصين بشكل كبير في هذا المجال، كما حرصنا أن يكون هناك متخصص في الحياة الزوجية إلى جانب المختصين في الطفولة، لأن الأصل في التربية السليمة هو البيت المستقر. ومن هذا المنطلق كان سؤال الملتقى والذي طرحناه على الحضور، واستهدفنا في النسخة الثالثة الطفل من الولادة حتى سن العاشرة؛ فالتربية بالحب تبدأ منذ الولادة».

وأوضحت أن الملتقى الرابع سيعقد تحت عنوان «طفلك موهوب» وسيتم فيه عرض نماذج لأطفال موهوبين وتناول كيفية تربية طفل موهوب وتنمية المواهب الموجودة في كل طفل «نجاح الملتقيات السابقة يحفزنا على الاستمرار واختيار أهم المحاور في التربية وأفضل المتحدثين المختصين، وأود أن أنتهز هذه الفرصة لأشكر الإدارة العليا لـ «راف» على دعمها الكبير في إبراز دور المرأة في المجتمع سواء الجانب الدعوي أو التربوي، كما أشكر الفريق التنفيذي للإدارة النسائية على المجهود الكبير للغاية الذي بذلنه، وأغلبهن زوجات وأمهات وعليهن مسؤولية كبيرة، لكنهن عملن بجد وحب حتى خرجت ملتقياتنا بهذه الصورة وذلك النجاح».

معرض وصور
وصاحب الملتقى معرض تربوي تضمن أهم المقالات والدراسات والكتب التي تستعرض مفهوم التربية بالحب، وقالت سارة المالكي رئيس شعبة البرامج والأنشطة بـ «نسائي راف»: إن المعرض تضمن صورا تربوية لمفهوم التربية بالحب، قامت المتطوعات بالإدارة النسائية بالتقاطها بناء على دراسات حول أهم طرق التربية بالحب، كما تضمن عرضا مرئيا لأهم 16 أسلوبا للتربية بالحب من الدراسات التربوية كتوضيح للزوار يساعدهم على فهم لغات الحب من خلال صور حية تعبر عن المشاعر، والتي لا يصل جزء كبير منها إلا عن طريق الملامسة. وأوضحت نعمات أبوالعلا المشرفة على الملتقى من فريق «راف» أن المعرض بدأ إضافته للملتقى منذ العام الماضي «لمزيد من الفائدة؛ حيث نعرض فيه بعض المقالات التربوية مع توفير نسخ يمكن للزوار الاحتفاظ بها، إلى جانب عرض كتب تربوية هامة والتعريف بكيفية الحصول عليها لاقتنائها»، ولفتت إلى الورش المصاحبة للملتقى التي شهدت إقبالا كبيرا من الجمهور، وتناولت قضيتي «كيف نتفاعل بالحب في حياتنا اليومية»، و «مثلث التأصيل العاطفي».

وأشادت ظافية المري، المتطوعة بالملتقى والتي قامت بتقديم فقراته والمتحدثين، بتنظيم هذه النسخة من الملتقى والترتيبات والاستعدادات التي سبقتها، وكذا باختيار المتحدثين ومناقشاتهم والتوصيات التي صدرت في ختام الملتقى، موضحة أنها شاركت في الملتقيات السابقة وشهدت التطور النوعي الكبير والتوسع الذي شهده عاما بعد الآخر.

نصف ساعة
خصائص واحتياجات الطفولة، هو الموضوع الذي تناولته تفصيليا الاستشارية النفسية والتربوية الدكتورة إيمان البلالي، وأوضحت لـ «العرب» أن إقامة مثل هذه الملتقيات مفيدة للغاية وضرورية لجهة التوعية في مجال التربية خاصة هذا المحور وهو التربية بالحب، «في وقتنا هذا يجب التركيز على الحب أكثر لأن الوالدين اليوم مشغولان وبالتالي يعطيان جرعات أقل من الحب عما كان يفعل الآباء في أيام جدودنا، وقت أن كانت الأم متفرغة للطفل تشبعه حاجته من الحب والحنان اللازمين، أما الآن فلدينا نقص شديد في الحب، وهو يتضمن اللمسة الحانية والتقبيل والتقبل والتفهم، فالبعض يعتقد أنه عندما يلبي احتياجات الطفل المادية فإنه بهذا يظهر له حبه، لكن هذا غير صحيح، فالتدليل الزائد مثل القسوة الزائدة، تعطي نفس النتائج من عناد وتبول لاإرادي وتكبر وصراخ وعدوانية، لا بد أن يكون هناك وقت للطفل حتى ولو نصف ساعة في اليوم تكون مشبعة بشرط أن يكون بالهم وكل حواسهم منشغلة بالطفل وموجهة إليه، هذا أولى من إمضاء ساعات معه دون أن نمده بالحب اللازم ونكون مشغولين عنه بغيره ونحن معه».

«شكراً» الساحرة
وشدد الخبير الأسري وعميد الشؤون الأكاديمية والدراسات العليا المساعد بجامعة الكويت الدكتور حمود القشعان على أن الحب بين الزوجين لا بد وأن ينعكس على الأبناء، وأنه على الوالدين أن يزيدا رصيدهما من الحب وأن يعملا على إظهار هذا الحب للأبناء ليشعروا بالأمان ويتعلموا منهما، موضحا أن الحب مثل البنك الذي يزيد فيه الرصيد أو ينقص تبعا لمعاملات أطرافه، وأن هناك العديد من الطرق يمكنها أن تزيد من هذا الرصيد، لافتا إلى أهمية ربط الحب دائما بالخالق جل وعلا «أيّ حب لا يرتبط برب العالمين فهو حب ناقص، وأيّ استثمار في الأبناء لا يرتبط بالآخرة فهو استثمار دنيوي». وتناول القشعان عددا من الوسائل البسيطة التي تزيد من رصيد الحب في الأسرة بين الزوجين ومع الأبناء أيضا «كلمة بسيطة مثل «مشكور» أو شكرا هي نوع من الحب ولها أثر سحري، وأول لغة من لغات الحب هي «التأكيد» عليه سواء للزوجة أو الأولاد، أو حتى الخادم أو الخادمة، وللشيخ سلمان العودة مقولة مفادها «إذا أردت أن تعرف شخصية الإنسان المسلم فاعرف كيفية تعامله مع خادمه»، أيضا هناك لغة أخرى وهي «الوقت النوعي» أي أن يكون للأبناء وقت لهم يمضونه فيما يسعدهم ويريدونه هم، وأن يتم استغلال هذه الفرصة في بناء سلوك إيجابي، وهناك أيضاً لغة الهدية، «تهادوا تحابوا» والهدية ليست بقيمتها وإنما بمعناها، ويمكن أن تكون بسيطة للغاية لكنها تعبر عن الكثير، أو يكون لها عظيم الأثر على النفس».

أسوة حسنة
وفي محاضرته التي تحدث فيها عن الممارسة والفهم للحب في التربية أوضح الداعية الدكتور عائض القرني، مستشار المشاريع الخيرية بمؤسسة الشيخ ثاني للمشاريع الإنسانية «راف» أن «الحب بين الآباء والأبناء لا يحدث إلا بالتربية الإيمانية التي علمها لنا الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم ولنا فيه أسوة حسنة والكثير من القصص التي تدلنا على هذا الحب كصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بحفيدته أمامة، ورفقا بها وشفقة عليها، وكذا بحفيديه الحسن والحسين اللذين كانا يصعدان على أكتافه ويلعبان، ومنه نتعلم والحب ليس مجرد كلمات نقولها لأطفالنا لكنها ممارسة عملية، أن تجعل يومك حبا من الصباح إلى المساء».

الأمومة الصحيحة
ويؤكد الدكتور أحمد الفرجابي، المشرف العام على الملتقى، أن الحب يصل إلى الطفل منذ وجوده في بطن أمه، وأشار إلى أن الطفل المحروم من الحنان والعطف والحب لن يستطيع تقديمه للآخرين لأن فاقد الشيء لا يعطيه، وقال: «لا بد أن نربي بناتنا على الأمومة الصحيحة فهن مخزن العواطف، والأم التي تبذل الحنان ستأخذ هي الأخرى الحنان، وعلينا أن نعبر لأطفالنا عن حبنا حتى ولو بالنظرات وهم سيفهمون ذلك، وكي أغرس في طفلي الحب لا بد أن أتعاطف معه، كحزنه على لعبته المكسورة، وأتفاعل مع كل مشاعره مهما كانت بسيطة، فلنتحد مع أطفالنا في المشاعر ثم نصعد بهم ومعهم للمعاني السامية». وتابع «أيضا يمكن أن تكون التربية بالحب من خلال الهدايا والعطايا لكننا نفضل هنا الهدايا المعنوية التي تربطهم برب البرية؛ حتى لا يصبح الطفل مثل ماكينة المشروبات الغازية التي لا تعمل إلا بالنقود».

أخطر القضايا
وعن خطورة غياب الحب قال الداعية والخبير التربوي الدكتور عبدالحميد البلالي رئيس جمعية «بشائر الخير» بالكويت: «نحن أمام قضية من أخطر القضايا، لأن الحب هو أساس كل شيء، به يدخل الناس الجنة وبدونه يدخلون النار، وبالحب يولد العظماء والنجوم، وبالحب يقود القائد الرعية وبالحب تطيع الشعوب قادتها، فالحب هو الذي يدوم والكراهية تزول وبه قامت الدنيا وبانحساره تنتهي. 

وتابع «عندما نتحدث عن غياب الحب فإننا نستخدم كلمة الجفاف العاطفي، وهو تشبيه بالأرض الجافة اليابسة التي تقشعر لمنظرها الجلود، وعلى العكس عندما ينظر الإنسان إلى الزرع والورود والمراعي، فتفرح به النفس، ونعني بالجفاف العاطفي خلو أو ضعف الحياة الأسرية من المياه العاطفية بين الأبناء والوالدين أو أحدهما، فلا توجد علاقة عاطفية ولا محبة إنما مجرد علاقة روتينية، أم تلد وأب ينفق ليس أكثر، علينا أن نروي حياتنا ونغمرها بالحب لتؤتي ثمارها التي تسعد النفس». وتناول الخبير التربوي السعودي الدكتور علي الشبيلي مواصفات «المربي المحبوب»، متحدثا عن الحب كما مارسه النبي الكريم صلى الله عليه وسلم، ضاربا المثل بالعديد من النماذج من سيرته وحياته، داعيا إلى اقتفاء أثر الرسول الكريم في التربية بالحب مع أبنائه وأحفاده، والتي تعطينا الكثير من الدروس والعبر، فضلا عن الأساليب التربوية التي استخدما النبي صلى الله عليه وسلم في التربية بالحب ووسائله المباشرة وغير المباشرة والتربية بالقصص.

ترويض الوحش
وأوضح الدكتور خالد الحليبي، مدير مركز التنمية الأسرية بالأحساء، أن الإنترنت له الكثير من السلبيات على الأسرة وتماسكها، وأن هذه الأخطار تناولتها الكثير من الدراسات والأبحاث، ويرى أنه بما أن وسائل التكنولوجيا الحديثة والإنترنت أصبحت واقعا لحياتنا لا يمكن الاستغناء عنه؛ فواجب الأسر أن تعمل على ترشيده بل والاستفادة منه في التربية وزيادة الحب بين أفرادها «يمكن أن يكون التواصل عبر الإنترنت بوسائله المختلفة التي نستخدمها جميعا الآن فرصة جيدة لممارسة الاتصال بين أفراد الأسرة وإظهار الحب والتعبير عنه، فنحن أمام سلطان هائج ومنتشر وقادر على التمدد والنفاذ إلى كل شيء، وبدلا من أن يأخذنا من كل أعمالنا وشؤوننا وحياتنا، يمكننا تطويعه وجعله وسيلة مساعدة لنا، وأن نسخر هذه التقنية في زيادة الحب داخل بيوتنا».

في وقتها
وتوجهت حرم القنصل السوري السيدة، ازدهار الحركي، بالشكر إلى الفرع النسائي لـ «راف» على المؤتمر الذي وصفته بـ «الرائع من ناحية التنظيم المميز والاختيار الموفق للمحاضرين الذين كانت محاضراتهم على مستوى راقٍ للغاية، وكانت اختصاصاتهم ملائمة جدا للموضوعات». وتابعت «نحن بحاجة إلى هذه الموضوعات؛ حيث لامست «الوجع»، وجاءت في وقتها حتى نستيقظ ونتعلم، فنحن دائما في حاجة لأن نتعلم مثل هذه الأمور، ونتمنى أن نفهمها وتجعلنا نستيقظ لكثير من الأمور مع أولادنا، بعد أن عرفتنا على أشياء جديدة لم نكن نعرفها من قبل، وتعيدنا إلى ما كان لدينا في السابق وفقدناه، فعندما كنت أعيش في فرنسا وجدتهم بدؤوا يتجهون إلى هذه المفاهيم في التربية، برغم أننا الأولى بها لأنها جزء من ديننا وسيرة نبينا الكريم، كما كانت من أسس تربيتنا في الماضي، وللأسف أصبحنا نفتقدها اليوم، وهناك آية في القرآن الكريم تقول: {ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} فما بالك بابنك أو بنتك، فإن الصبر والحب سيجعل ابنك مثلما تريد وزيادة بإذن الله تعالى».

طريقة مثلى
وحرص عدد من الآباء والأمهات على حضور الملتقى للاستفادة التي توقعوها من محاضراته وكلمات ضيوفه، إلى جانب التربويين وقالت إحدى الأمهات: إنها بعد أن عرفت بموضوع الملتقى فكرت في حضوره علها تجد حلا لمشكلة ابنها الذي تعبت كثيرا في إيجاد طريقة مثلى للتعامل معه، خاصة أنه شديد العناد ولا يستمع نهائيا لنصائح أي من والديه، ويسير عكس نصائحهما على طول الخط؛ ما جعلهما خائفين عليه ويشعران بالفشل في تربيته، وقال إن زوجها عندما علم بانعقاد هذا الملتقى شجعها على الحضور، وأكدت أنها استفادت بالفعل مما اطلعت عليه من معلومات وتجارب خلال الملتقى، ومن خلال الأسئلة والاستفسارات التي أجاب عنها المختصون، وكذا المناقشات الثرية التي ساعدتها كثيرا على فهم المشكلة ومحاولة إيجاد حل لها، وقالت الأم: إنها ستنقل لزوجها ما استفادت به في الملتقى ليتمكنا سويا من إيجاد طريقة مثلى للتعامل مع الابن.

تعديل السلوك
وتقول شريفة راشد الكبيسي، المشرفة الإدارية بمدرسة أم سلمة الابتدائية: «استفدنا من الحضور للمؤتمر ليس فقط على مستوى مهنتنا ولكن كأمهات أيضا، وكيف يمكننا أن نسير على نهج سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم في هذا الأمر، وكيف نتعامل مع الأطفال بحب والابتعاد عن القسوة والعنف، ومبادلة الحب بيننا، سواء كنت أما أم مربية.

وكانت محاضرة الشيخ عائض القرني ثرية للغاية، فهو بالنسبة لنا المربي والقدوة وحضوره هنا اليوم أسعدنا، كما استفدنا كثيرا من توجيهاته ونصائحه وتجاربه التي رواها في الملتقى».
وتقول زميلتها صافية حمد العذبة الاختصاصية الاجتماعية بمدرسة أم سلمة: المؤتمر كان موضوعه رائعا ومفيدا للغاية لنا كأمهات ومربيات، فنحن بحكم وظيفتنا نحتك أكثر بسلوك الطلاب؛ لذا كانت الورشة مفيدة للغاية، وأنا كاختصاصية اجتماعية جربت التعامل مع الطالبات بالعقاب والورقة التي نرسلها للأهل وغيرها من الوسائل، لكنهن لم يكن يستجبن لها، لكن عندما استبدلت هذه الوسائل بأخرى تعتمد على الحب واحترام الطالبة وتأكيد ثقتها بنفسها وغيرها من الوسائل التربوية كانت النتائج مدهشة، فحتى العقاب لا بد أن يكون بالحب حتى يؤتي ثماره والهدف المرجو منه. وتابعت «أشعر أن الأمهات والمعلمات في حاجة إلى العلاج أكثر من الأطفال، فالسلوكيات الخطأ تكون منهم وليس من الطلاب، وأقترح عمل ورش عمل في المدارس منبثقة من هذا المؤتمر ويتم دعوة الأمهات لحضورها، حتى ولو اقتصرت مبدئيا على من لديهم أبناء ذوي سلوكيات سلبية ويحتاجون تعديلها».
وقالت ليلى السيد، من دار عائشة التابعة لوزارة الأوقاف: «التربية بالحب سلوك يفتقده المجتمع اليوم خصوصا البيوت، والآباء والأمهات، رغم أن الأصل في التربية هو الحب؛ فهذه المحبة مصدر الأمن والاستواء النفسي وهي القاعدة الصلبة لبناء شخصية الأبناء وللأسف في هذه الأيام لا يعبر أغلبنا عن هذا الحب لا قولا ولا فعلا، فتضعف جسور الارتباط بين الأولاد والآباء؛ ما يفوت على الجميع الاستمتاع بهذه العاطفة الرائعة، التي هي أساس التربية، وجاء هذا الملتقى ليقدم العلاج الناجع لإشباع هذا الجانب، فالحب حاجة نفسية تحتاج إلى إشباع باستمرار».
وتقول السيدة كلثم بهزاد، وهي اختصاصية سابقة بمؤسسة حمد الطبية ومهتمة بأمور التربية: «هذا هو الملتقى الثالث الذي أحضره مع «راف»، وكل منهما يتناول محورا هاما للغاية، فنحن نعتقد أننا نربي أبناءنا بطريقة صحيحة، لكن واقع الأمر يؤكد أننا نفتقر إلى الكثير من الأشياء، ومن خلال المحاضرات القيمة والمعلومات والنصائح التي قدمها المتحدثون في هذا الملتقى اكتشفنا أن معلوماتنا تكاد تكون صفرا في التربية، ولا بد أن نتعلم التربية الصحيحة، فالمحبة مهمة للغاية، ولو أحببت أطفالك سيحبونك، لو عاملتهم بشكل جيد سيعاملونك أيضاً بنفس الشكل، فأنت كتربوية أو أم قد يكون لديك نوع من الخوف أنك لو لم تكوني شديدة فمن الممكن أن يفرط الأولاد من يدك، لكن على العكس بالمحبة ستمسكين بهم أكثر وتجمعينهم حولك ويستمعون إليك أكثر».