القارئ اج ولد باب..مسيرة موفقة وطموح رسالي |
الأحد, 04 أغسطس 2013 19:59 |
ولد القارئ اج ولد باب في المجرية، عام 1994، ولم يكمل سنواته الست الأولى حتى فجع بموت والده، فعاش حياة اليتم، وبدأ مسيرة الأيتام... دخل الابتدائية، ولم يستمر فيها، فبعد سنتين قرر أخوه الأكبر وضع حد لتاريخه مع التعليم النظامي، ليلحقه بالمحظرة... بدأ تعليمه القرآني.. وفي سنة 2004 كان قد حصل ربع القرآن، فشفع أخوه قرار فصله عن التعليم النظامي بقرار آخر تمثل في إلحاقه بمحظرة التيسير، وإسناد أمر تعليمه إلى شيخها الشيخ ولد ابوه. استمر الفتى في هذه المحظرة، حتى أكمل القرآن وبدأ دراسة الرسم، بل وصل إلى مرحلة "السلكة" فكتب منها خمسة أحزاب على الشيخ.. ولكن موانع حالت دون الزيادة، وأجلتها إلى وقت لاحق. كان بعض قرناء السوء قد أثروا في الفتى فنقلوا إليه بعض الأخلاق التي لا يحمدها شيخه ولا يقبلها فيه، وهو يعلق عليه كبير الأمل، فبدأت بعض مظاهر التشويش، والشوشرة، والمشاكسة، تظهر على الفتى.. وكان تأديب الشيخ قاسيا... خرج الفتى اليافع إلى لعصابة، وبقي فيها حتى سنة 2009، عمّق دراساته للقرآن، وتحلى كما يقول بجدية أكثر، وبعزم أكثر على مواصلة الدراسة واستدراك الفائت... السند والشيخ: أخذ اج كما قال السند عن شيخه الشيخ ولد ابوه، عن شيخه الشيخ محمد الأمين ولد الحسن، إمام مسجد الشرفاء، عن سلسلته المعروفة. ففي العام 2009 عاد الفتى اجّ إلى مربَع دراسته، وشيخه الأول الشيخ ولد ابوه، ولكنه عاد، وكأن عقودا من التجارب قد صنعته، فبدأ بجد واضح، وأعاد القرآن مرارا، وأكمل إنضاج حفظه، وقرأ رسمه، وضبطه، ومقررات المقرأ في قراءة نافع. بل زاد على ذلك فقرأ الناسخ والمنسوخ، والوقف والابتداء، والإرداف... وما شاء الله له أن يقرأ مما لا يدخل ضمن إطار علوم القرآن المحضة، ككتب الأخضري وابن عاشر، وعبيد ربه في النحو، والبيقونية في مصطلح الحديث... كسب الفتى ثقة شيخه، ورضيه الشيخ، فكان إذا انتقد من طرف زملائه، زكاه الشيخ، وقال إنه على المستوى، حفظا وإتقانا وأخلاقا وسلوكا... يجد الشيخ على شيخه بعد الجدة رغم امتلائه منه، إذ يلاحظ عليه أنه أخر إعطاءه الإجازة حتى العام الحالي 2013، لكن الفتى سرعان ما يرد على هذا الخاطر بعد ذكره مباشرة، معللا ذلك بأن الشيخ، كان لا يرى ضرورة تعجيل الإجازة على الأطفال والمراهقين؛ لأسباب تربوية، تعود إلى كون أغلبهم حين يحصل على الإجازة يظن نفسه قد بلغ المنتهى.. وهيهات!! بل يتوقف بعضهم عن قراءة القرآن ذاته بمجرد أخذ الإجازة، كما يتوقف أيضا عن أخذ العلم وتحصيله، وهي أسباب يراها اج وجيهة لمنعه ومنع أمثاله من أخذ لقب "مجاز" في سن مبكرة. أول تراويح: يقول اج إنه صلى أول تراويح صلاها أمام الناس بأهله في دارهم، وكان ينظر إلى نفسه بنوع من الإعجاب، والإحساس بالثقة في نفسه من ناحية، وأنه أصبح أهلا لأن يتقدم، والإحساس بالاعتزاز بسبب ثقة أهله فيه إذ قدموه كحامل للقرآن، وإمام للتراويح. لم يصب كما يقول بخجل التقدم أمام الناس، بل سيطر عليه الموقف وما أوحى إليه به من ثقة في نفسه، وإحساسه بثقة الآخرين فيه، وبعد ذلك لم يعد يخشى القراءة أمام الناس. ملاحظات على الطريقة المحظرية في التحصيل: يتحدث القارئ اج ولد باب بكل جرأة عن ملاحظاته السلبية والإيجابية على المحظرة، معلنا محدودية الأولى، وعسر إحصاء الأخيرة، فيقول عن السلبيات إنه يلاحظ على المحظرة: - شيوع ضرب الأطفال فيها ضربا قد يكون مبرحا، وزائدا على القدر الشرعي للتأديب، إلا أنه يرى في الوقت نفسه أن بعض الأطفال العنيدين لا يصلحهم غير ذلك. - كما يلاحظ على المحظرة غياب الرقابة على من فيها خاصة الرقابة الأهلية، إذ بعض الأطفال والمراهقين –خاصة القادمين من المدن الكبرى- يتخذون من غياب الرقيب الأهلي في المحظرة، فرصة لتكوين التفكير الإجرامي، والاحتيال، والإفلات من العقوبة، بل قد يكون بعضهم بسبب ذلك مشاريع مجرمين في المستقبل، خاصة أن كثرة أعداد التلاميذ في المحظرة، قد تكون ساترا يختفي وراءه المجرم الحقيقي، ويتهم البريء؛ وفي هذا السياق يبرأ اج شيخه من تهمة الإهمال، ويشهد له بالمتابعة التامة للطلبة، وسلوكهم، وللأساتذة وأدائهم... - كما يلاحظ على المحظرة استهلاك الوقت في بعض الأساليب العتيقة التي يمكن الاستغناء عنها، ويقدم القراءة من خلال اللوح كمثال على ذلك، فهو يرى القراءة في المصحف أولى وأسهل من القراءة في اللوح، خاصة أن المصحف يوفر الوقت الذي كان يستغرق في الكتابة. وأما عن الإيجابيات فهو يراها كثيرة لكن من أبرزها: - ذات التدريس، فكون المحظرة ما زالت تهتم بالقرآن، وتدرسه كاملا وبعناية تامة، أمر يراه اج في غاية الأهمية. - يرى اج أن المحظرة فرصة لتربية إيمانية كبيرة، حيث الاستيقاظ آخر الليل، وإتاحة الفرصة لمن شاء أن يصلي لكي يصلي، ومن شاء أن يقرأ القرآن أن يقرأه في ذلك الوقت المشهود. - كما أنها فرصة للحياة البسيطة التقليدية، بعيدا عن تعقيدات المدنية الحديثة. التقليد والاستقلالية: يرى القارئ اج نفسه قادرا على تقليد القراء، ومحاكات قراءتهم بل يصرح بأنه يستطيع بإتقان تقليد اثني عشر قارئ، بل يعترف أنه قد طبق هذا التقليد في بعض المسابقات القرآنية التي أتيحت له فرصة المشاركة فيها، إلا أنه لا يرى فائدة في التقليد، بل لكل إنسان كما يقول اج حنجرة خاصة أعطاها الله له، عليه أن يستغلها، وأن يكتفي بها، فلو اعتمد عليها كان صوته الطبيعي بها خيرا من أي تقليد، لأي كان. القراءة الشرقية والمغربية: وفي مجال القراءة مشرقيتها ومغربيتها يؤكد القارئ اج تفضيله للقراءات المشرقية على المغربية على مستويي الأداء، والصوت، بل يؤكد أن كل مقلديه من المشارقة، ليس منهم مغربي واحد غير الشيخ محمود خليل الحصري المحسوب على المغاربة كما يقول اج. واجبات قارئ القرآن: وعلى مستوى قارئ القرآن يرى اج أن قارئ القرآن لا بد أن يتحلى بأخلاق القرآن، ويقول: "من الناس من يحفظ القرآن ليكون "وبالا" عليه"؛ لأنهم يحفظون القرآن ولا يعملون به، فهو يرى أولى مهمات حامل القرآن هي العمل بالقرآن، والتوقف عند حدوده، وأحكامه، والتميز بين الناس كقدوة ينظر إليه، يضيف إلى ذلك نفع الناس بما استطاع خاصة من تعليم القرآن إذ في الحديث: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، هذا بالإضافة إلى التخلق بأخلاق مشايخه ومربيه، حتى ينقل الصورة الإيجابية عنهم تامة غير مشوهة، تماما كما نقل الإجازة عنهم. أحلام وآمال: تبدو أمام الشاب القارئ اج أحلام "كبيرة" يريد تحقيها، مثل أن يكون معلم قرآن يوصل الرسالة التي أخذ من عند أشياخه، ويرى أخذ العلم في هذا العصر أصبح من الصعوبة بمكان فهو يطمح في المجال العلمي إلى أن يصل درجة "العالم" أو درجة "الفقيه" (التي يراها أحط من الأولى قليلا)، كما يطمح إلى أن يشمل علمه المذاهب الأربعة، أو المالكي منها بإتقان على الأقل. ويبقى الزمن وحده، وحركة القارئ اج ولد باب المصارعة له هي وحدها الحكم، فيما سيصل إليه من آمال وما سيحقق من أحلام. |