أئمة التراويح حديثو السن.. آمال ومخاوف |
الثلاثاء, 06 أغسطس 2013 13:36 |
باتت ظاهرين الحافظين الشباب للقرآن الكريم تزداد انتشارا في هذا المجتمع ولله الحمد، رغم العوائق التي تعوق دون حفظه، ومع انتشار ظاهرة الحفظ بين الشباب ينتشر أيضا بين الحفظة المجودون المتقنون الذين يتمتعون بأصوات ندية، وأداء جيد. وأمام تفشي هذه الظاهرة شاع اعتماد أغلب المساجد خاصة في فترة رمضان على الأئمة الشباب، تستوي في ذلك صلاة التراويح وصلاة التهجد... ولكن هذه الظاهرة على ما فيها من إيجابيات تحمل مجموعة من التحديات من بينها الخوف من تحول القرآن إلى مهنة تباع في سوق يحتاج الشباب فيه إلى العمالة أيا كان نوعها.. كما يحمل تحد آخر من قبيل تقديم الشباب الأئمة لقدوة ناقصة أو مشوهة لحامل القرآن وخلقه وتعامله، نظرا لحداثة السن ونقص التجربة بين أغلب هؤلاء. ظاهرة إيجابية: يتفق كل من التقاهم السراج الدعوي من أئمة وقراء وعلماء وفاعلين اجتماعيين على كون الظاهرة إيجابية في حد ذاتها، فشيوع القرآن بين الشباب أمر في غاية الأهمية، ونداوة الصوت وجماله، مع حسن الأداء أمر في غاية الأهمية، ومن أهم ما يحتاجه مجتمعنا كما يقولون. أسباب الظاهرة: يختلف المتابعون للظاهرة حول أسبابها الحقيقية، فيرجعها محفوظ ولد حبيب الرحمن ويرجعها بعض آخر إلى سبب مادي بالأساس، وهو أن أغلب الشباب الحافظين للقرآن وجدوا من الجمعيات الخيرية والفاعلين الاجتماعيين، سندا يجعلهم ينتهزون في ظل الحاجة المادية الفرصة، فيتقدمون أئمة للناس، ويأخذون مقابل ذلك ما يعطيه القائمون على المساجد من مساعدات أو أجور. أئمة لا يسألون أجرا... أما الأئمة أنفسهم فرغم كون بعضهم لا يستبعد حضور الجانب المادي إلا أنهم يرونه آخر محرك لهم نحو التقدم لإمامة التراويح والتهجد، فهم يقولون إن أغلبهم متطوعون، وغير المتطوع منهم لا يمكن بحال تسمية ما يعطى له راتبا بل هو مساعدة قد تكون وقد لا تكون... والدافع الحقيقي لإمامتهم كما يقولون هو حبهم لتلاوة القرآن وإسماعه للناس ابتغاء الأجر.. ومنهم من يضيف لذلك التعود على التلاوة، وإجادة الحفظ، كما يضيف بعض منهم لهذه الأغراض البحث عن التدبر، والتعود على الحديث أمام الناس، خاصة من خلال الكلمة التي يلقيها البعض منهم بعد التراويح كتعليق على المقرء. الأجرة على الإمامة.. بين الطلب والرفض: ويختلف المتابعون للظاهرة أيضا حول جدوى إعطاء الإمام أجرا من عدمها، فحين يرى البعض المنع من ذلك باعتباره سبيلا إلى الإيجار على القرآن والإمامة، والأصل في ذلك الحرمة، كما يقول مختار ولد نافع ويرى سعد بوه ولد محمد عبد الله (داعية ناشط في بعض الجمعيات الخيرية) ظاهرة صلاة الشباب للتراويح ظاهرة إيجابية ودليل على حب الناس للخير وتعلقهم بالقرآن الكريم، إلا أنه يرى في تعويض القائمين على التراويح خطرا على الإخلاص، والتنافس الإيجابي في الخير، مع أنه كما يقول لا يمانع في تعويض الأئمة الذين يذهبون إلى الداخل وإلى القرى والأرياف البعيدة، لأنه يرى ذلك تشجيعا لهم على تجشم تلك الصعاب، لكنه لا يرى ضرورة لإعطاء الأئمة الشباب في داخل قراهم أو في العاصمة أي تعويض ملتزم، لئلا يرتبط القرآن وتقديم الخير للناس بالمال، فيتوقف حين يعجز المنفقون عن تقديم المساعدات للأئمة... إمام غير قدوة: وأمام شيوع هذه الظاهرة يظهر أحيانا أئمة ليسوا بقدوات، نظرا لجهلهم بالأحكام الشرعية، أو لبعض السلوك المخالف للشريعة، أو القادح في المروءة الذي يرتكبونه كحلاقة شعر الوجه، أو التدخين، أو اتباع الموضاة الموغلة في "الشبابية"، أو اقتراح بعض المخالفات الأخلاقية... مما يسبب إشكالات كبرة، إذ الإمام قدوة الناس، وحامل القرآن إذا لم يعمل به فهو كالحمار يحمل أسفارا، وأمام هذا النوع من السلوك يختلف هؤلاء أيقدمون الجانب الرسالي فيحذفون مثل هؤلاء الشباب من لائحة الحفاظ المؤهلين للإمامة، كما فعل محفوظ ولد حبيب الرحمن، أم يتركونهم لغلبة الجانب الخيري فيهم على هذا، ولكون هذه المخالفات قد لا تظهر أثناء الصلاة، وليست لهذا النوع من الأئمة صلة بالناس أكثر من وقت الصلاة التي سترها الليل... أئمة في حاجة إلى التأهيل الدعوي: وأمام هذه الظاهرة، يرى الحسن ولد حبيب الله ويرى سعد بوه ولد محمد عبد الله ضرورة الانتباه إلى سلوك الشباب الأئمة؛ حيث إن الشاب الإمام لا بد أن يتعرض لدورات تكوينية تجعلها قادرا على أداء مهمته بأحسن وجه، حتى لا يكون قدوة سيئة للمجتمع والشباب... ويسرد الأستاذ سعد بوه بعض القصص التي يراها مؤشرا خطيرا على انحرافات بعض الشباب من تدخين وغيره مما لا يليق بحامل القرآن، ولا بأئمة المسلمين. كما يقول محفوظ ولد حبيب الرحمن إنه أجرى بعض الحوارات مع هؤلاء الشباب، ولكن بعضا منهم أصر على موقفه خاصة من حلاقة اللحية، ما دفع الإمام ولد حبيب الرحمن إلى منعه من التقدم أمام الناس، حفاظا على عرضه من قدحهم فيه، وعلى الشباب من أخذه قدوة ونموذجا للإمام الشاب. أئمة أنصاف حفظة: وإلى جانب سيل الحفاظ التائقين إلى الإمامة، هناك من الشباب من غير الحافظين للقرآن كاملا، الذين يحفظون بعضا منه بتجويد وحسن أداء من يطمحون إلى الإمامة، ويرون فيها غاية محفزة إلى حفظ القرآن كاملا ويروي محفوظ ولد حبيب الرحمن بعض القصص في هذا السياق، أن بعض تلاميذ محظرته يطلبون منه تقديمهم للإمامة في أحزاب يحفظونها حفظا جيدا، ويؤدونها أداءا رائعا، وبأصوات جميلة، إلا أن بعضا منهم يمتنع عن الإمامة حتى يحفظ وعلى النقيض من حرص هؤلاء على الإمامة هناك من الشباب من يرفضها ويخافها، كذلك الشاب العشريني محمد الأمين ولد المصطفى، الذي يصلى هذا العام التراويح لأول مرة، في مسجد الرحمة بالرياض بأمر من شيخه "سعدن"، ولكنها لا يتقدم في أي ليلة قبل أن يأمره شيخه، ويحاول التخفي عن عينه في بعض الأحيان حتى لا يأمره بالتقدم. وللجمعيات دورها في الموضوع: يقول يعقوب ولد أحمد (مسؤول التراويح في جمعية المستقبل) إن جمعيته اختارت هذا العام قرابة مائتي إمام تراويح، موزعة على عموم التراب الوطني، نال الداخل منها حوالي مائة وأربعين إماما، في حين اختصت العاصمة نواكشوط بستين إماما... ويرجع يعقوب أسباب هذا الاختيار إلى وجود بعض القرى والأرياف بدون أئمة..كما هو خدمة لحملة القرآن الكريم، وتوفير للظروف المناسبة لهم. بالإضافة إلى كونه نقلا للتعامل مع حامل القرآن من حالة فردية إلى حالة مجتمعية، بحيث يتولى المجمتع رعاية حملة القرآن والاهتمام بهم... ويقول يعقوب والجمعية حسب يعقوب هي من يتولى التعويض لهؤلاء الأئمة، وبذلك تكفي المساجد المستفيدة مئونة راتب الإمام... وأمام هذا الجدل حول الأئمة وأنواعهم والتعليق على سنيهم أو نضجهم الفكري أو العقلي أو العلمي يبقى المجتمع المستفيد الأول من سماع القرآن، والمراقب الأخير على السلوك، والقابل بما يناسب –وفق المعايير الشرعية- منها مما لا يناسب. |