سلسلة قيم وأخلاق إسلامية(3)/الشيخاني ولد عبد القادر
الأربعاء, 14 أغسطس 2013 03:22

الشيخاني عبد القادرالشيخاني عبد القادرالإنفاق:

لغة:

مصدر أنفق، يقال: أنفق ينفق إنفاقا فهو منفق، وتدور هذه المادّة حول معنيين أحدهما يدلّ على انقطاع شيء وذهابه، والآخر على إخفاء شيء وإغماضه، يقال نفق الشّيء: فني، وأنفق الرّجل افتقر، والنّفقة ما أنفقت، واستنفقت على العيال وعلى نفسك، والنّفقة أيضا: ما أنفق، وقال الجوهريّ: رجل منفاق أي كثير النّفقة.

وقال ابن علّان: النّفقة من الإنفاق وهو الإخراج. والنّفقة: الدّراهم ونحوها من الأموال وتجمع على نفقات وعلى نفاق (بالكسر).

واصطلاحا: الإنفاق إخراج المال الطّيّب في الطّاعات والمباحات. والنّفقة على العيال والأهل: مقدّرة بالكفاية وتختلف باختلاف من تجب له النّفقة في مقدارها.

وقال ابن علّان: النّفقة هي سائر المؤن من كسوة ونفقة وسكن على من يعول من زوجة وولد وخادم.

 

مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً

قال ابن القيّم رحمه اللّه في معنى قول اللّه تعالى: (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْصُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (البقرة: 245). صدّر سبحانه الآية بألطف أنواع الخطاب، وهو الاستفهام المتضمّن معنى الطّلب، وهو أبلغ في الطّلب من صيغة الأمر. والمعنى: هل أحد يبذل هذا القرض الحسن، فيجازى عليه أضعافا مضاعفة؟ وحيث جاء هذا القرض في القرآن قيّده بكونه حسنا، وذلك يجمع أمورا ثلاثة: أوّلها: أن يكون من طيّب ماله، لا من رديئهوخبيثه. ثانيها: أن يخرجه طيّبة به نفسه، ثابتة عند بذله، ابتغاء مرضاة اللّه. ثالثها: أن لا يمنّ به ولا يؤذي. فالأوّل يتعلّق بالمال، والثّاني يتعلّق بالمنفق بينه وبين اللّه، والثّالث بينه وبين الآخذ.

 

أَنْفِق أُنْفِق عليك

 

  جاء في الحديث عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه قال لي: أَنْفِق أُنْفِق عليك»، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يمين اللّه مَلْأَى، سَحَّاءُ، لا يَغِيضُهَا شَيْءٌ اللّيلَ والنّهارَ، أرأيتم ما أنفق مُذْ خلقَ السّماءَ والأرضَ، فإنّه لم يَغِضْ ما في يمينه»، قال: «وعرشه على الماء وبيده الأخرى القبض يرفع ويخفض». (رواه البخاري ومسلم).

 

 

كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ

 

يقول الله تعالى: (مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 261)، فقد شبّه اللّه سبحانه النّفقة في سبيله سواء كان المراد بها الجهاد أو جميع سبل الخير بمن بذر بذرا فأنبتت كلّ حبّة منه سبع سنابل اشتملت كلّ سنبلة على مائة حبّة. واللّه يضاعف لمن يشاء فوق ذلك بحسب حالِ المنفقِ وإيمانِه وإخلاصِه وإحسانِه، ونفعِ نفقتِه وقدرِها، ووقوعِها موقِعَها.(التفسير القيم لابن القيم: 148- 151).

 

اللّهمّ أعط منفقا خلفا

 

عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من يوم يصبح العباد فيه إلّا ملكان ينزلان فيقول أحدهما: اللّهمّ أعط منفقا خلفا، ويقول الآخر: اللّهمّ أعط ممسكا تلفا». (رواه البخاري ومسلم).

 

 

بَخٍ، ذلك مالٌ رابح

  عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: كان أبو طلحة أكثر الأنصار بالمدينة مالا من نخل، وكان أحبّ أمواله إليه بيرحاء، وكانت مستقبلة المسجد، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدخلها ويشرب من ماء فيها طيّب. قال أنس: فلمّا أنزلت هذه الآية لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ قام أبو طلحة إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه! إنّ اللّه تبارك وتعالى يقول لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وإنّ أحبّ أموالي إليّ بيرحاء، وإنّها صدقة للّه أرجو برّها وذخرها عند اللّه، فضعها يا رسول اللّه حيث أراك اللّه، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «بخ، ذلك مال رابح، ذلك مال رابح، وقد سمعت ما قلت، وإنّي أرى أن تجعلها في الأقربين». فقال أبو طلحة: أفعل يا رسول اللّه. فقسمها أبو طلحة في أقاربه وبني عمّه) (رواه البخاري ومسلم).

 

 

آيات في الإنفاق 1- (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْناكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا بَيْعٌ فِيهِ وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ وَالْكافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ) (البقرة: 254). 2- (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِنْ طَيِّباتِ ما كَسَبْتُمْ وَمِمَّا أَخْرَجْنا لَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَلا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ...) (البقرة: 267).

3- (..إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ...) (البقرة: 271). 4- (..وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَلِأَنْفُسِكُمْ وَما تُنْفِقُونَ إِلَّا ابْتِغاءَ وَجْهِ اللَّهِ وَما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لا تُظْلَمُونَ) (البقرة: 272).

5- (..الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهارِ سِرًّا وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 274). 6- (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ) (آل عمران: 92). 7- (..وَما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(سبأ: 39). 8- (آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ)(الحديد: 7). 9- (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْراً لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ)(التغابن: 16).

10- (ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ تُدْعَوْنَ لِتُنْفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنْكُمْ مَنْ يَبْخَلُ وَمَنْ يَبْخَلْ فَإِنَّما يَبْخَلُ عَنْ نَفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَراءُ) (محمد: 38).  

أحاديث في الإنفاق

1- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «سبعة يظلّهم اللّه تعالى في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه..(منهم)..رجل تصدّق بصدقة، فأخفاها حتّى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه...». (رواه البخاريومسلم).

2- عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما من عبد مسلم يُنفق من كلّ مَالٍ له زوجينِ في سبيلِ اللّهِ إلّا استقبَلتْهُ حَجَبَةُ الجنّةِ كُلُّهُمْ يَدْعُوهُ إلى ما عِندَه» قلت: وكيف ذلك؟ قال: «إن كانت إِبِلاً فبعيرين، وإن كانت بقرا فبقرتين»).(رواه النسائي, وقال الألباني: صحيح). 3-عن خريم بن فاتك رضي اللّه عنه أنّه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أنفق نفقة في سبيل اللّه كتبت له بسبعمائة ضعف»).(رواه النسائي, وذكره الألباني في صحيح الجامع, ورواه الترمذي في صحيحه). 4- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إذا مات الإنسان انقطع عنه عمله إلّا من ثلاثة، إلّا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».(رواهمسلم). 5- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: جاء رجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه أيّ الصّدقة أعظم أجرا؟ قال: «أن تصدّق وأنت صحيح شحيح، تخشى الفقر، وتأمل الغنى، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم قلت: لفلان كذا وفلان كذا وقد كان لفلان» (رواه البخاري ومسلم).

6- عن أبي مسعود الأنصاريّ رضي اللّه عنه قال: جاء رجل بناقة مخطومة. فقال: هذه في سبيل اللّه. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لك بها يوم القيامة سبعمائة ناقة كلّها مخطومة»(رواهمسلم).

7-عن سعد بن عبادة رضي اللّه عنه قال: قلت يا رسول اللّه إنّ أمّي ماتت أفأتصدّق عنها؟ قال: «نعم»، قال: فأيّ الصّدقة أفضل؟، قال: «سقي الماء فتلك سقاية سَعْدٍ بالمدينة»(رواه النسائي وقال الألباني في صحيحه: حسن, ورواه أبو داود وابن ماجة، ومعناه في الصحيحين. 8- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما تصدّق أحد بصدقة من طيّب ولا يقبل اللّه إلّا الطّيّب إلّا أخذها الرّحمن بيمينه، وإن كانت تمرة. فتربو في كفّ الرّحمن حتّى تكون أعظم من الجبل. كما يربّي أحدكم فلوّه أو فصيله». (رواه البخاري ومسلم). 9-عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من استطاع منكم أن يستتر من النّار ولو بشقّ تمرة فليفعل» (رواه مسلم). 10- عن ابن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا حسد إلّا في اثنتين: رجل آتاه اللّه مالا فسلّطه على هلكته في الحقّ، ورجل آتاه اللّه حكمة فهو يقضي بها ويعلّمها»(رواه البخاري ومسلم).

11- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «يقول العبد مالي مالي. إنّما له من ماله ثلاث: ما أكل فأفنى، أو لبس فأبلى، أو أعطى فاقتنى، وما سوى ذلك فهو ذاهب وتاركه للنّاس»(رواه مسلم). 12- عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أجود النّاس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان جبريل يلقاه في كلّ ليلة من رمضان فيدارسه القرآن؛ فإنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين يلقاه جبريل أجود بالخير من الرّيح المرسلة»(رواه البخاري ومسلم).

 

آثار وأقوال في الإنفاق

1- قال عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه «لأن أصل أخا من إخواني بدرهم أحبّ إليّ من أن أتصدّق بعشرين درهما، ولأن أصله بعشرين درهما أحبّ إليّ من أن أتصدّق بمائة درهم ولأن أصله بمائة درهم أحبّ إليّ من أن أعتق رقبة».

2-قال النّوويّ رحمه اللّه تعالى: الإنفاق الممدوح ما كان في الطّاعات على العيال، والضّيفان، والتّطوّعات.

 

من فوائد الإنفاق 1-الإنفاق من كمال الإيمان وحسن الإسلام. 2-دليل حسن الظّنّ باللّه والثّقة به. 3- أداء شكر نعمة اللّه عزّ وجلّ بالمال. 4- سبب نيل حبّ اللّه عزّ وجلّ وحبّ الخلق. 5- تقوية العلاقات الاجتماعيّة بين أفراد الأمّة. 6- الإنفاق سبب بركة المال ونمائه ووقاية من المصائب والبلايا. 7- الإنفاق طريق موصّل إلى الجنّة. 8- المنفق يستظلّ بظلّ اللّه عزّ وجلّ.

 

 

 

سلسلة قيم وأخلاق إسلامية(3)/الشيخاني ولد عبد القادر

السراج TV