سلسلة قيم وأخلاق إسلامية(1)/الشيخاني ولد عبد القادر
السبت, 03 أغسطس 2013 17:36

المسارعة في الخيراتaltalt

 

لغة: المسارعة مصدر قولنا: سَارَع فلان إلى كذا، والّتي تدلّ على خلاف البطء، وأسرع القوم، إذا كانت دوابّهم سِرَاعا. وقال الفيروزاباديّ: السّرعة ضدّ البطء، وتستعمل في الأجسام والأفعال يقال: سرع فهو سريع، وأسرع فهو مسرع، كما يقال: سير سريع، وفرس سريع، والمصدر من سرع هو السّرعة، وسارع إلى الخير وتَسارَع (بمعنى)، قال تعالى: (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ)، يسارعون أي يسابقون من سابقهم إليها، وسُرعان النّاس: أوائلُهم الّذين يتسارعون إلى الشّيء، ويُقبلون عليه بسرعة، والفرق بين السّرعة والإسراع أنّ الإسراع فيه طلب وتكلّف، وأمّا السُّرعة فكأنّها غريزة.

 

اصطلاحا: المسارعة في الخيرات: هي المبادرة إلى الطّاعات والسّبق إليها والاستعجال في أدائها وعدم الإبطاء فيها أو تأخيرها.

البدار البدار

يقول ابن الجوزي رحمه الله: «... البدار البدار يا أرباب الفُهوم، فإنّ الدّنيا معبرٌ إلى دار إقامة، وسفرٌ إلى المستقرِّ والقربِ من السّلطان ومجاورتِه،. فتهّيئوا للمجالسةِ، واستعدّوا للمخاطبة، وبالغوا في استعمالِ الأدبِ، لتَصلُحوا للقربِ من الحضرةِ. ولا يشغلنّكم عن تضْمِيرِ الخيلِ تكاسلٌ، وليحمِلكم على الجِدّ في ذلك تذكّرُكُم يوم السّباق ... فليتذكّر السّاعي حلاوةَ التّسليمِ إلى الأمين، وليتذكّر في لذاذة المدح يوم السّباق، وليحذرِ المسابقُ من تقصيرٍ لا يمكن استدراكُه». (صيد الخاطر: 372).

أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ   عن ابن عبّاس في قوله تعالى: (أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (المؤمنون: 61): «سبقت لهم السّعادة من اللّه».

وقال القرطبيّ في الآية: (وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ) (آل عمران: 114): الّتي يعملونها مبادرين غير متثاقلين لمعرفتهم بقدر ثوابهم. وقيل: يبادرون بالعمل قبل الفوت).

 ويقول أبو حيّان عنها: المسارعة في الخير ناشئة عن فرط الرّغبة فيه، لأنّ من رغب في أمر بادر إليه وإلى القيام به، وآثر الفور على التّراخي.

وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ

  قال سعيد بن جبير في قوله تعالى: (وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ): سارعوا بالأعمال الصّالحة إلى مغفرة من ربّكم، وروي عن أنس بن مالك قوله: هي التّكبيرة الأولى.

وقال القرطبيّ في قوله تعالى: "وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ" المسارعة: المبادرة، أي سارعوا إلى ما يوجب المغفرة وهي الطّاعة.

 

وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ

قال ابن مسعود رضي الله عنه في قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ): قال هم الذين يدخلون الجنّة بغير حساب. وعن عبد اللّه بن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: السّابق بالخيرات يدخل الجنّة بغير حساب. وقال قتادة: وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ: «هذا المقرّب».  ويقول القرطبيّ في قوله تعالى:(فاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ) (البقرة: 148): أي إلى الخيرات، أي بادروا إلى ما أمركم به اللّه عزّ وجلّ من استقبال البيت الحرام، وإن كان يتضمّن الحثّ على المبادرة والاستعجال إلى جميع الطّاعات بالعموم.  قال أبو حيّان الأندلسيّ في قوله تعالى: (فاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ): هذا أمر بالتّبكير إلى فعل الخير والعمل الصّالح وناسب هذا أنّ من جعل اللّه له شريعة أو قبلة أو صلاة فينبغي الاهتمام بالمسارعة إليها.

 

سَبقَك بِها عكّاشة

عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم «عرضت عليّ الأمم فأخذ النّبيّ يمرّ معه الأمّة، والنّبيّ يمرّ معه العشرة، والنّبيّ يمرّ معه الخمسة، والنّبيّ يمرّ وحده، فنظرت فإذا سواد كثير، قلت: يا جبريل هؤلاء أمّتي؟ قال: لا، ولكن انظر إلى الأفق فنظرت فإذا سواد كثير، قال: هؤلاء أمّتك، وهؤلاء سبعون ألفا قدّامهم لا حساب عليهم ولا عذاب، قلت: ولم؟ قال: كانوا لا يكتوون ولا يسترقون، ولا يتطيّرون، وعلى ربّهم يتوكّلون، فقام إليه عكّاشة بن محصن فقال: ادع اللّه أن يجعلني منهم. قال: «اللّهمّ اجعله منهم»، ثمّ قام إليه رجل آخر فقال: ادع اللّه أن يجعلني منهم. قال: «سبقك بها عكّاشة»رواه البخاري ومسلم.

التؤدة في كلّ شيء إلّا في عمل الآخرة

عن مصعب بن سعد عن أبيه، قال الأعمش: ولا أعلمه إلّا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (التؤدة في كلّ شيء إلّا في عمل الآخرة).  رواه أبو داود والحاكم  وقال: على شرطهما، ووافقه الذهبي.

وعن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (بادروا بالأعمال سبعا: هل تنظرون إلّا فقرا منسيا، أو غنى مطغيا، أو مرضا مفسدا، أو هرما مفندا، أو موتا مجهزا، أو الدّجّال، فشرّ غائب ينتظر، أو السّاعة فالسّاعة أدهى وأمرّ)رواه الترمذي وقال: حسن.

 

آيات في المسارعة في الخيرات

1-(... يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَأُولئِكَ مِنَ الصَّالِحِينَ)(آل عمران: 114). 2- (...وَسارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (آل عمران: 133). 3- (... إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَيَدْعُونَنا رَغَباً وَرَهَباً وَكانُوا لَنا خاشِعِينَ)(الأنبياء: 90). 4- (... وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلى رَبِّهِمْ راجِعُونَ،أُولئِكَ يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَهُمْ لَها سابِقُونَ)(المؤمنون: 60-61). 5- (ولِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة: 148). 6- (... فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ)(المائدة: 48). 7- (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَالْأَنْصارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ...)(التوبة: 100).

8- (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا فَمِنْهُمْ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سابِقٌ بِالْخَيْراتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)(فاطر: 32). 9- (...لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَقاتَلَ أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ وَقاتَلُوا وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنى وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ)(الحديد: 10). 10- (...سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ...) (الحديد: 21). 11- (... يُسْقَوْنَ مِنْ رَحِيقٍ مَخْتُومٍ، خِتامُهُ مِسْكٌ وَفِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ)(المطففين: 25- 26).

أحاديث في المسارعة في الخيرات

1- عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه قال: أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أن نتصدّق، فوافق ذلك مالا، فقلت: اليوم أسبق أبا بكر إن سبقته يوما، قال: فجئت بنصف مالي، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ما أبقيت لأهلك؟ قلت: مثله، وأتى أبو بكر بكلّ ما عنده، فقال: يا أبا بكر: ما أبقيت لأهلك؟ قال: أبقيت لهم اللّه ورسوله، قلت: واللّه لا أسبقه إلى شيء أبدا»(رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح.

2- عن عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه قال: مرّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وأنا معه وأبو بكر على عبد اللّه ابن مسعود وهو يقرأ، فقام فسمع قراءته، ثمّ ركع عبد اللّه وسجد، قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «سل تعطه» قال: ثمّ مضى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم وقال: «من سرّه أن يقرأ القرآن غضّا كما أُنزل فليقرأه من ابن أمّ عبد». قال: فأدلجت إلى عبد اللّه بن مسعود لأبشّره بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: فلمّا ضربت الباب، أو قال: لمّا سمع صوتي قال: ما جاء بك هذه السّاعة؟ قلت: جئت لأبشّرك بما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: قد سبقك أبو بكر، قلت: إن يفعل فإنّه سبّاق بالخيرات، ما استبقنا خيرا قطّ إلّا سبقنا إليه أبو بكر»(رواه أحمد في مسنده، وقال أحمد شاكر: اسناده صحيح). 3- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: (بادروا بالأعمال فتنا كقطع اللّيل المظلم، يصبح الرّجل مؤمنا ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا ويصبح كافرا، يبيع دينه بعرض من الدّنيا)(رواه مسلم). 4- عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لرجل وهو يعظه: «اغتنم خمسا قبل خمس، شبابك قبل هرمك، وصحّتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك»(رواه الحاكم وقال: صحيح على شرطهما). 5- عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من اغتسل يوم الجمعة غسل الجنابة ثمّ راح فكأنّما قرّب بدنة، ومن راح في السّاعة الثّانية فكأنّما قرّب بقرة، ومن راح في السّاعة الثّالثة فكأنّما قرّب كبشا أقرن، ومن راح في السّاعة الرّابعة فكأنّما قرّب دجاجة، ومن راح في السّاعة الخامسة فكأنّما قرّب بيضة، فإذا خرج الإمام حضرت الملائكة يستمعون الذّكر»(رواه البخاري).

 

آثاروأقوال في المسارعة في الخيرات

1- عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: إنّ للقلوب شهوة وإدبارا، فاغتنموها عند شهوتها وإقبالها، ودعوها عند فترتها وإدبارها. 2- قال أحمد بن حنبل رحمه اللّه تعالى: كلّ شيء من الخير يبادر به. 3- كان الجنيد يقرأ وقت خروج روحه، فيقال له: في هذا الوقت؟! فيقول: أبادر طيّ صحيفتي. 4- قال ابن الجوزيّ: من علم قرب الرّحيل عن مكّة استكثر من الطّواف، خصوصا إن كان لا يؤمّل العود لكبر سنّه وضعف قوّته، فكذلك ينبغي لمن قارَبَه ساحِلُ الأجل بعلوّ سنّه أن يبادر اللّحظات، وينتظر الهاجم بما يصلح له، فقد كان في قوسِ الأجلِ مَنزعٌ زمانَ الشّباب. 5- وقال ابن الجوزيّ أيضا: «.. كم يُضيّع الآدميّ من ساعات يفوته فيها الثّواب الجزيل، وهذه الأيّام مثل المزرعة، فكأنّه قيل للإنسان: كلّما بذرت حبّة أخرجنا لك ألف كرّ، فهل يجوز للعاقل أن يتوقّف في البذر ويتوانى؟!

 

من فوائد المسارعة في الخيرات

1- مرضاةٌ للرّبّ عزّ وجلّ ومغضبةٌ للشّيطان. 2- ترفعُصاحبها إلى جنّات عدن حيث النّعيم المقيم والفضل العظيم. 3- توجِدُنوعا من التّنافس الحميد الّذي يرقى بالمجتمع. 4- تجعلُصاحبها في مأمن من الفتن والملهيات. 5- السّابقون إلى الخيرات يدخلون الجنّة بغير حساب.

 

 

 

 

سلسلة قيم وأخلاق إسلامية(1)/الشيخاني ولد عبد القادر

السراج TV