سلسلة قيم وأخلاق إسلامية(7)/الشيخاني ولد عبد القادر |
الأحد, 18 أغسطس 2013 18:38 |
الخشية
لغة: الخشية مصدر خشي وتدلّ على خوف وذعر، وقال الرّاغب: الخشية هي خوف يشوبه تعظيم، وأكثر ما يكون ذلك عن علم بما يخشى منه، ولذلك خصّ العلماء بها (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ)، وقول الله عز وجل: (مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ)، أي من خاف خوفا اقتضاه معرفته بذلك من نفسه. وقال ابن منظور: الخشية: الخوف. يقال خشي الرّجل يخشى خشية أي خاف. ويقال: هذا المكان أخشى من ذلك أي أشدّخوفا. وخشّاه بالأمر تخشية أي خوّفه. يقال: خشيه يخشاه خشيا وخشية وخشاة خافه. واصطلاحا: الخشية: خوف يشوبه تعظيم، وقيل هي الخوف المقرون بإجلال. وقيل: هي تألّم القلب بسبب توقّع مكروه في المستقبل يكون تارة بكثرة الجناية من العبد، وتارة بمعرفة جلال اللّه وهيبته.
بين الخشية والخوف: قال الفيروز اباديّ: الخشية أخصّ من الخوف، فإنّ الخشية للعلماء باللّه تعالى، فهي خوف مقرون بمعرفة، قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّي أتقاكم للّه وأشدّكم لهخشية». فالخوف حركة، والخشية انقباض وسكون. فالخوف لعامّة المؤمنين، والخشية للعلماء العارفين، والهيبة للمحبّين، والوجل للمقرّبين. وعلى قدر العلم والمعرفة تكون الخشية. قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم «لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، ولما تلذّذتم بالنّساء على الفرش، ولخرجتم إلى الصّعدات تجأرون إلى اللّه تعالى» فصاحب الخوف يلتجأ إلى الهرب والإمساك، وصاحب الخشية يلتجأ إلى الاعتصام بالعلم. وكلّ واحد إذا خفته هربت منه، إلّا اللّه، فإنّك إذا خفته هربت إليه (ففروا إلى الله..)، فالخائف هارب من ربّه إلى ربّه. (دليل الفالحين لابن علان: 2/367).
فلا تخشوا الناس واخشون - (عن أبي سعيد رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يحقر أحدكم نفسه». قالوا: يا رسول اللّه كيف يحقر أحدنا نفسه؟. قال: «يرى أمرا للّه عليه فيه مقال، ثمّ لا يقول فيه. فيقول اللّه عزّ وجلّ له يوم القيامة: ما منعك أن تقول فيّ كذا وكذا؟، فيقول: خشية النّاس، فيقول: فإيّاي كنت أحقّ أن تخشى») (رواه ابن ماجة وفي الزوائد: إسناده صحيح رجاله ثقات).
ذلك لمن خشي ربه قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ، جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) (البينة: 7-8)،يقول صاحب الظلال: جاء قوله عز وجل (ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ)،مأكداعلى أن كل هذا متوقف على صلة القلب بالله،ونوعهذه الصلة, والشعور بخشيته خشية تدفع إلى كل صلاح، وتنهى عن كل انحراف. الشعورالذي يزيح الحواجز، ويرفع الأستار، ويقف القلب عاريا أمام الواحد القهار.والذييخلص العبادة ويخلص العمل من شوائب الرياء والشرك في كل صورة من صوره. فالذييخشىربه حقا لا يملك أن يخطر في قلبه ظلا لغيره من خلقه. وهو يعلم أن الله يرد كلعملينظر فيه العبد إلى غيره معه، فهو أغنى الشركاء عن الشرك. فإما عمل خالص له،وإلالم يقبله.
الذين يخشون ربهم بالغيب - (عن عبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهما عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، أنّه قال: «بينما ثلاثة نفر يتمشّون أخذهم المطر ...» الحديث وفيه: «وقال الآخر: اللّهمّ إنّه كانت لي ابنة عمّ أحببتها كأشدّ ما يحبّ الرّجال النّساء، وطلبت إليها نفسها، فأبت حتّى آتيها بمائة دينار، فتعبت حتّى جمعت مائة دينار، فجئتها بها، فلمّا وقعت بين رجليها قالت: يا عبد اللّه اتّق اللّه ولا تفتح الخاتم إلّا بحقّه، فقمت عنها. فإن كنت تعلم أنّي فعلت ذلك ابتغاء وجهك، فافرج لنا منها فرجة، ففرج لهم ...» الحديث). (رواه البخاري ومسلم). - (عن الحسن البصريّ رحمه اللّه قال: الإيمان من خشي اللّه بالغيب، ورغب فيما رغب اللّه فيه، وزهد فيما أسخط اللّه). - (قال أبو الدّرداء رضي اللّه عنه: «تمام التّقوى أن يتّقي اللّه العبد حتّى يتّقيه من مثقال ذرّة وحتّى يترك بعض ما يرى أنّه حلال خشية أن يكون حراما، يكون حجابا بينه وبين الحرام»).
عين بكت من خشية الله - (عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «عينان لا تمسّهما النّار: عين بكت من خشية اللّه، وعين باتت تحرس في سبيل اللّه») (رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن). - (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا يلج النّار رجل بكى من خشية اللّه حتّى يعود اللّبن في الضّرع، ولا يجتمع غبار في سبيل اللّه ودخان جهنّم») (رواه الترمذي، وقال هذا حديث حسن صحيح، ورواه النسائي وابن ماجة). - (عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من ذكر اللّه ففاضت عيناه من خشية اللّه حتّى يصيب الأرض من دموعه لم يعذّبه اللّه تعالى يوم القيامة»). (أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه ووافقه الذهبي).
آيات في الخشية 1- (وَالَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللَّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَيَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ) (الرعد: 21). 2- (الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ وَهُمْ مِنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ) (الأنبياء: 49). 3- (يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَلا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ) (لقمان: 33). 4- (..أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَوْهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ) (التوبة: 13). 5- (إِنَّ الَّذِينَ هُمْ مِنْ خَشْيَةِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ..) (المؤمنون: 57-58). 6-(..الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ وَكَفى بِاللَّهِ حَسِيباً) (الأحزاب: 39). 7- (وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقْهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ) (النور: 52). 8- (إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ لَهُمْمَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ) (الملك: 12). 9- (إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ) (فاطر: 28). 10- (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللَّهِ ذلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ) (الزمر: 23). 11- (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ، هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ، مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَجاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ) (ق:31-33). 12- (إِنَّما تُنْذِرُ مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ فَبَشِّرْهُ بِمَغْفِرَةٍ وَأَجْرٍ كَرِيمٍ) (يس:11). 13- (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ..) (الحشر:21).
أحاديث في الخشية 1- (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّي لأنقلب إلى أهلي، فأجد التّمرة ساقطة على فراشي فأرفعها لآكلها، ثمّ أخشى أن تكون صدقة فألقيها»). (رواه البخاري ومسلم). 2- (عن أبي أمامة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ليس شيء أحبّ إلى اللّه من قطرتين وأثرين: قطرة من دموع في خشية اللّه وقطرة دم تهراق في سبيل اللّه. وأمّا الأثران: فأثر في سبيل اللّه وأثر في فريضة من فرائض اللّه»). (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن غريب. وإسناده حسن). 3- (عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: قلّما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقوم من مجلس حتّى يدعوبهؤلاء الدّعوات لأصحابه: «اللّهمّ اقسم لنا من خشيتك ما يحول بيننا وبين معاصيك، ومن طاعتك ما تبلّغنا به جنّتك. ومن اليقين ما تهوّن به علينا مصيبات الدّنيا، ومتّعنا بأسماعنا وأبصارنا وقوّتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، واجعل ثأرنا على من ظلمنا، وانصرنا على من عادانا، ولا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدّنيا أكبر همّنا ولا مبلغ علمنا، ولا تسلّط علينا من لا يرحمنا»). (رواه الترمذي والحاكم، وصححه ووافقه الذهبي). 4- (عن أنس بن مالك رضي اللّه عنه قال: بلغ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أصحابه شيء، فخطب فقال: «عرضت عليّ الجنّة والنّار فلم أر كاليوم في الخير والشّرّ، ولو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا». قال: فما أتى على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يوم أشدّ منه. قال: غطّوا رؤوسهم ولهم خنين.. الحديث). (رواه البخاري ومسلم). 5- (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «سبعة يظلّهم اللّه في ظلّه يوم لا ظلّ إلّا ظلّه: الإمام العادل، وشابّ نشأ بعبادة اللّه، ورجل قلبه معلّق في المساجد، ورجلان تحابّا في اللّه اجتمعا عليه وتفرّقا عليه، ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إنّي أخاف اللّه. ورجل تصدّق بصدقة فأخفاها حتّى لا تعلم يمينه ما تنفق شماله، ورجل ذكر اللّه خاليا ففاضت عيناه»). (رواه البخاري ومسلم).
آثار وأقوال في الخشية 1- (عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه قال: «إنّما أخاف أن يكون أوّل ما يسألني عنه ربّي أن يقول: قد علمت فما عملت فيما علمت؟»). 2- (قال عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه: «إنّ المؤمن يرى ذنوبه كأنّه قاعد تحت جبل يخاف أن يقع عليه، وإنّ الفاجر يرى ذنوبه كذباب مرّ على أنفه، فقال به هكذا»). 3- (قال أبو أيّوب الأنصاريّ رضي اللّه عنه: «إنّ الرّجل ليعمل الحسنة فيتّكل عليها، ويعمل المحقّرات حتّى يأتي اللّه وقد حظر به، وإنّ الرّجل ليعمل السّيّئة فيفرق منها حتّى يأتي اللّه آمنا»). 4- (عن الحسن رحمه اللّه قال: «لقد مضى بين يديكم أقوام لو أنّ أحدهم أنفق عدد هذا الحصى لخشي أن لا ينجو من عظم ذلك اليوم»). 5- (قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه: «آخ الإخوان على قدر التّقوى، ولا تجعل حديثك بذلة إلّا عند من يشتهيه، ولا تضع حاجتك إلّا عند من يحبّ قضاءها، ولا تغبط الأحياء إلّا بما تغبط الأموات، وشاور في أمرك الّذين يخشون اللّه عزّ وجلّ»). 6- (قال الحسن البصريّ رحمه اللّه: «عملوا للّه بالطّاعات، واجتهدوا فيها وخافوا أن تردّ عليهم. إنّ المؤمن جمع إيمانا وخشية، والمنافق جمع إساءة وأمنا»). 7- (قال مطرّف بن عبد اللّه بن الشّخّير: «يا إخوتي اجتهدوا في العمل فإن يكن الأمر كما نرجو من رحمة اللّه وعفوه كانت لنا درجات في الجنّة، وإن يكن الأمر شديدا كما نخاف ونحاذر لم نقل، ربّنا أخرجنا نعمل صالحا غير الّذي كنّا نعمل، نقول، قد عملنا فلم ينفعنا»). 8- (قال سريّ السّقطيّ: «للخائف عشر مقامات منها الحزن الّلازم، والهمّ الغالب، والخشية المقلقة، وكثرة البكاء، والتّضرّع في اللّيل والنّهار، والهرب من مواطن الرّاحة، ووجل القلب»).
من فوائد الخشية 1-الفوز بالجنّة والنّجاة من النّار. 2- الأمن من الفزع الأكبر. 3- تثمر محبّة اللّه وطاعته. 4- سبب سعادة العبد في الدّنيا والآخرة. 5- دليل هداية القلب. 6- البعد عن الوقوع في المعاصي والذّنوب.
|