سلسلة قيم وأخلاق إسلامية(9)/الشيخاني ولد عبد القادر |
الخميس, 22 أغسطس 2013 18:51 |
الشورى لغة: الشورىاسم للمشاورة، وكلاهما مأخوذ من مادّة (ش.و.ر) الّتي تدلّ على أخذ شيء من شيء، ومن هذا الباب شاورت فلانا في أمري، وهو مشتقّ من شور العسل وكأنّ المستشير يأخذ الرّأي من غيره، يقال: شاوره في الأمر مشاورة. طلب منه المشورة. وأشار عليه بكذا: أمره وارتآه له، وبيّن له وجه المصلحة، ودلّه على الصّواب. واستشرته راجعته لأرى رأيه، فأشار عليّ بكذا أي أراني ما عنده فيه من المصلحة فكانت إشارته حسنة. والاسم: المشورة. والشّورى: اسم من أشار عليه بكذا، بمعنى استخراج الرّأي. ومنه أهل المشورة ومجلس الشّورى. واصطلاحا: الشورى استنباط المرء الرّأي من غيره فيما يعرض له من مشكلات الأمور، ويكون ذلك في الأمور الجزئيّة الّتي يتردّد المرء فيها بين فعلها وتركها. شروط المستشار: وقد اشترطوا لأهليّة المستشار شروطا خمسة: (1) عقل كامل مع تجربة سالفة. (2) أن يكون ذا دين وتقى: فقد ورد في الأثر عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: من أراد أمرا فشاور فيه امرءا مسلما وفّقه اللّه لأرشد أموره. (3) أن يكون ناصحا ودودا، فإنّ النّصحوالمودّة يصدّقان الفكرة ويمحّضان الرّأي. (4)أن يكون سليم الفكر من همّ قاطع، وغمّ شاغل، فإنّ من عارضت فكره شوائب الهموم لا يسلم له رأي، ولا يستقيم له خاطر. (5)ألّا يكون له في الأمر المستشار فيه غرض يتابعه، ولا هوى يساعده، فإنّ الأغراض جاذبة والهوى صادّ، والرّأي إذا عارضه الهوى وجاذبته الأغراض فسد.
وشاورهم في الأمر - عن الحسن البصريّ والضّحّاك قالا: ما أمر اللّه تعالى نبيّه بالمشاورة لحاجة منه إلى رأيهم وإنّما أراد أن يعلمهم ما في المشاورة من الفضل ولتقتدي به أمّته من بعده وفي قراءة ابن عبّاس: وشاورهم في بعض الأمر. - وقال ابن العربيّ: الشّورى ألفة للجماعة ومسبار للعقول وسبب إلى الصّواب، وما تشاور قوم إلّا هدوا. - قال القرطبيّ: والشّورى مبنيّة على اختلاف الآراء، والمستشير ينظر في ذلك الخلاف، وينظر أقربها قولا إلى الكتاب والسّنّة إن أمكنه فإذا أرشده اللّه تعالى إلى ما شاء منه عزم عليه وأنفذه متوكّلا عليه، إذ هذه غاية الاجتهاد المطلوب.
وأمرهم شورى بينهم - عن ميمون بن مهران، قال: كان أبو بكر الصّدّيق إذا ورد عليه أمر نظر في كتاب اللّه، فإن وجد فيه ما يقضي به قضى بينهم، وإن علمه من سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قضى به، وإن لم يعلم خرج فسأل المسلمين عن السّنّة، فإن أعياه ذلك دعا رؤوس المسلمين وعلماءهم واستشارهم. - عن عبد اللّه بن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّ عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه خرج إلى الشّام حتّى إذا كان بسرغ لقيه أمراء الأجناد أبو عبيدة ابن الجرّاح وأصحابه فأخبروه أنّ الوباء قد وقع بأرض الشّام. قال ابن عبّاس: فقال عمر: (ادع لي المهاجرين الأوّلين، فدعاهم، فاستشارهم...ثمّ قال: ادع لي الأنصار، فدعوتهم، فاستشارهم...ثمّ قال: ادع لي من كان هاهنا من مشيخة قريش من مهاجرة الفتح، فدعوتهم...) - عن المسور بن مخرمة رضي اللّه عنه: أنّ الرّهط الّذين ولّاهم عمر اجتمعوا فتشاوروا، فقال لهم عبد الرّحمن: لست بالّذي أنافسكم على هذا الأمر، ولكنّكم إن شئتم اخترت لكم منكم، فجعلوا ذلك إلى عبد الرّحمن، فلمّا ولوا عبد الرّحمن أمرهم ...قال المسور: طرقني عبد الرّحمن بعد هجع من اللّيل، فقال: انطلق فادع الزّبير وسعدا، فدعوتهما له، فشاورهما، ثمّ دعاني فقال: ادع لي عليّا، فدعوته، فناجاه حتّى ابهارّ اللّيل...ثمّ قال: ادع لي عثمان، فدعوته، فناجاه حتّى فرّق بينهم المؤذّن بالصّبح. فلمّا صلّى للنّاس الصّبح واجتمع أولئك الرّهط عند المنبر، فلمّا اجتمعوا تشهّد عبد الرّحمن، ثمّ قال: أمّا بعد يا عليّ إنّي قد نظرت في أمر النّاس، فلم أرهم يعدلون بعثمان، فلا تجعلنّ على نفسك سبيلا. فقال: أبايعك على سنّة اللّه وسنّة رسوله والخليفتين من بعده: فبايعه عبد الرّحمن وبايعه النّاس: المهاجرون والأنصار وأمراء الأجناد والمسلمون.
الشورى في حياة النبي صلّى اللّه عليه وسلّم - عن ابن عمر رضي اللّه عنهما قال: استشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الأسارى أبا بكر، فقال: قومك وعشيرتك فخلّ سبيلهم. فاستشار عمر، فقال: اقتلهم، قال: ففداهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأنزل اللّه عزّ وجلّ: (ما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ..) قال فلقي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم عمر، قال: «كاد أن يصيبنا في خلافك بلاء» (رواه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. وقد أخرج مسلم نحوه). - عن أنس رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم شاور، حين بلغه إقبال أبي سفيان. قال: فتكلّم أبو بكر، فأعرض عنه. ثمّ تكلّم عمر، فأعرض عنه، فقام سعد بن معاذ، فقال: (إيّانا تريد؟ يا رسول اللّه! والّذي نفسي بيده، لو أمرتنا أن نخيضها البحر لأخضناها..) (رواه مسلم). - عن عائشة رضي اللّه عنها حين قال لها أهل الإفك ما قالوا، قالت: (ودعا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عليّ بن أبي طالب وأسامة بن زيد رضي اللّه عنهما حين استلبث الوحي يسألهما، وهو يستشيرهما في فراق أهله، فأمّا أسامة، فأشار بالّذي يعلم من براءة أهله، وأمّا عليّ فقال: لم يضيّق اللّه عليك، والنّساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك..الحديث وعنها قالت: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خطب النّاس فحمد اللّه وأثنى عليه وقال: «ما تشيرون عليّ في قوم يسبّون أهلي ما علمت عليهم من سوء قطّ»..) (رواه البخاري ومسلم).
الشّورى من قواعد الشّريعة الإسلامية - قال ابن عطيّة: والشّورى من قواعد الشّريعة وعزائم الأحكام من لا يستشير أهل العلم والدّين فعزله واجب هذا ما لا خلاف فيه وقد مدح اللّه المؤمنين بقوله: (وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ). - قال الشّافعيّ رحمه اللّه: «إنّما يؤمر الحاكم بالمشورة لكون المشير ينبّهه على ما يغفل عنه، ويدلّه على ما لا يستحضره من الدّليل لا ليقلّد المشير فيما يقوله، فإنّ اللّه لم يجعل هذا لأحد بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم». -وقال الماورديّ: «اعلم أنّ من الحزم لكلّ ذي لبّ، ألّا يبرم أمرا ولا يمضي عزما إلّا بمشورة ذي الرّأي النّاصح، ومطالعة ذي العقل الرّاجح». - وقال ابن خويزمنداد: واجب على الولاة مشاورة العلماء فيما لا يعلمون، وما أشكل عليهم من أمور الدين، ووجوه الجيش فيما يتعلّق بالحرب، ووجوه النّاس فيما يتعلّق بالمصالح، ووجوه الكتّاب والوزراء والعمّال فيما يتعلّق بمصالح البلاد وعمارتها. وكان يقال: ما ندم من استشار، وكان يقال من أعجب برأيه ضلّ. آيات في الشورى 1- (فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ) (آل عمران: 159) 2- (فَما أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَما عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ، وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَواحِشَ وَإِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ، وَالَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقامُوا الصَّلاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، وَالَّذِينَ إِذا أَصابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ) (الشورى: 36- 39).
أحاديث في الشورى 1- (عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: أتاني رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: «إنّي سأعرض عليك أمرا، فلا عليك أن لا تعجلي فيه حتّى تشاوري أبويك». فقلت: وما هذا الأمر؟. قالت: فتلا عليّ يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَزِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلًا* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً (الأحزاب/ 28- 29). قالت عائشة: فقلت: وفي أيّ ذلك تأمرني أشاور أبويّ، بل أريد اللّه ورسوله والدّار الآخرة. قالت: فسرّ بذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وأعجبه..) (رواه أحمد وأصله عند البخاري ومسلم). 2- (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «البكر تستأمر، والثّيّب تشاور»، قيل: يا رسول اللّه! إنّ البكر تستحي. قال: «سكوتها رضاها») (رواه أحمد وقال الشيخ أحمد شاكر: إسناده صحيح. وأصله في الصحيحين). 3- (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «المستشار مؤتمن») (رواه الترمذي، وأبو داود،وصححه الألباني، صحيح أبي داود). 4- (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «من تقوّل عليّ ما لم أقل فليتبوّأ مقعده من النّار، ومن استشاره أخوه المسلم فأشار عليه بغير رشده فقد خانه، ومن أفتى بفتيا غير ثبت فإنّما إثمه على من أفتاه»)(رواه أحمد وقال أحمد شاكر صحيح، ورواه الحاكم في المستدركوصححه ووافقه الذهبي). 5- (عن معاوية بن جاهمة رضي اللّه عنهما: أنّ جاهمة جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم فقال: يا رسول اللّه، أردت أن أغزو، وقد جئت أستشيرك. فقال: «هل لك من أمّ»؟ قال: نعم. قال: «فالزمها، فإنّ الجنّة عند رجلها») (رواه النسائيوأحمد في المسند وإسناده حسن وصححه الحاكم).
آثار وأقوال في الشورى 1- قال عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنهالرّجال ثلاثة: رجل ترد عليه الأمور، فيسدّدها برأيه، ورجل يشاور فيما أشكل عليه وينزل حيث يأمره أهل الرّأي، ورجل حائر بائر لا يأتمر رشدا، ولا يطيع مرشدا. 2- قال عليّ رضي اللّه عنه: نعم المؤازرة المشاورة، وبئس الاستعداد الاستبداد. 3-قال عمر بن عبد العزيز: إنّ المشورة والمناظرة بابا رحمة ومفتاحا بركة، لا يضلّ معهما رأي، ولا يفقد معهما حزم. 4- عن الحسنرحمه اللّه قال: واللّه، ما استشار قوم قطّ إلّا هدوا لأفضل ما بحضرتهم، ثمّ تلا:(وَأَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ). 5-قال أحدهم: من أعجب برأيه لم يشاور، ومن استبدّ برأيه كان من الصّواب بعيدا. 6-قيل في منثور الحكم: المشاورة راحة لك، وتعب على غيرك. 7-قال بعض الحكماء: الاستشارة عين الهداية، وقد خاطر من استغنى برأيه. 8-قال بعض الأدباء: ما خاب من استخار، ولا ندم من استشار. 9-قال بعض البلغاء: من حقّ العاقل أن يضيف إلى رأيه آراء العقلاء، ويجمع إلى عقله عقول الحكماء، فالرّأي الفذّ ربّما زلّ، والعقل الفرد ربّما زلّ. 10- قال بعضهم: شاور من جرّب الأمور، فإنّه يعطيك من رأيه ما دفع عليه غاليا وأنت تأخذه مجّانا. 11- قال القرطبيّ: وصفة المستشار في أمور الدّنيا أن يكون عاقلا مجرّبا وادّا في المستشير. 12- قال أعرابيّ: ما غبنت قطّ حتّى يغبن قومي. قيل: وكيف ذلك؟ قال: لا أفعل شيئا حتّى أشاورهم.
أبيات في الشورى - وإن باب أمر عليك التوى ... فشاور لبيبا ولا تعصه - إذا بلغ الرّأي المشورة فاستعن ... برأي نصيح أو نصيحة حازم ولا تجعل الشّورى عليك غضاضة ... فإنّ الخوافي قوّة للقوادم
- خليليّ ليس الرّأي في صدر واحد ... أشيرا عليّ بالّذي تريان. - وما كلّ ذي لبّ بمؤتيك نصحه ... ولا كلّ مؤت نصحه بلبيب ولكن إذا ما استجمعا عند صاحب ... فحقّ له من طاعة بنصيب
من فوائد الشورى 1- الشّورى من مبادئ الإسلام السّمحة في نظام الحكم. 2-النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم شاور المؤمنين ليطيّب بذلك قلوبهم وليشجّعهم على المضيّ في نشر الدّين والدّعوة إلى اللّه. 3- الشّورى: تبعث في النّاس حبّ التّعاون مع المسئولين وتشجّعهم على تحمّل مسئوليّاتهم أمام مجتمعهم. 4- الشّورى والتّشاور كما تكون في الأمور العامّة بين الحاكم والمحكومين تكون أيضا في الأمور الخاصّة بين أفراد الأسرة في المجتمع. 5-إذا وردت النّصوص الواضحة في المسألة فلا مشورة بعدها. 6- لا يستشار إلّا من عرف بالأمانة والإخلاص والعلم. 7-من استشاره أخوه المسلم، فعليه أن ينصحه فيما يعلم.
|