سلسلة قيم وأخلاق إسلامية(10)/الشيخاني ولد عبد القادر
السبت, 24 أغسطس 2013 18:53

altaltحسن الخلق 

 

لغة:

الحسنضدّ القبح، يقال: رجل حسن، وامرأة حسناء، والحسن: الجمال. والحسنة ضدّ السّيّئة، والمحاسن في الأعمال ضدّ المساويء. وقوله تعالى: وَيَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ. أي يدفعون بالكلام الحسن ما ورد عليهم من سيّء غيرهم.

والخلق اسم لسجيّة الإنسان وطبيعته الّتي خلق عليها، قال ابن فارس ومن هذا المعنى «الخلق» وهي السّجيّة لأنّ صاحبه قد قدّر عليه. وقال الرّاغب: الخَلق والخُلق في الأصل واحد لكن خصّ الخَلق بالهيئات والأشكال والصّور المدركة بالبصر، وخصّ الخُلق بالقُوى والسّجايا المدركة بالبصيرة.

اصطلاحا:

قال الماورديّ رحمه اللّه: الأخلاق غرائز كامنة، تظهر بالاختيار، وتُقهر بالاضطرار. وحسن الخلق، أن يكون سهل العريكة، ليّن الجانب، طلق الوجه، قليل النّفور، طيّب الكلمة.

 

حقيقةحسن الخلق

قال القزوينيّ رحمه اللّه: ومعنى حسن الخلق: «سلامة النّفس نحو الأرفق الأحمد من الأفعال، وقد يكون ذلك في ذات اللّه تعالى، وقد يكون فيما بين النّاس». أمّا ما يتعلّق بذات اللّه عزّ وجلّ فهو: «أن يكون العبد منشرح الصّدر بأوامر اللّه تعالى ونواهيه، يفعل ما فرض عليه، طيّب النّفس به، سلسا نحوه، وينتهي عمّا حرّم عليه، راضيا به، غير متضجّر منه، ويرغب في نوافل الخير، ويترك كثيرا من المباح لوجهه تعالى، إذا رأى أنّ تركه أقرب إلى العبوديّة من فعله مستبشرا لذلك، غير ضجر منه، ولا متعسّر به». أمّا في المعاملات بين النّاس فهو «أن يكون سمحا لحقوقه، لا يطالب غيره بها، ويوفي ما يجب لغيره عليه منها، فإن مرض ولم يُعد، أو قدم من سفر فلم يُزر، أو سلّم فلم يُردّ عليه، أو ضاف فلم يُكرم، أو شفع فلم يُجب، أو أحسن فلم يُشكر، أو دخل على قوم فلم يُمكّن، أو تكلّم فلم يُنصت له، أو استأذن على صديق فلم يُؤذن له، أو خطب فلم يُزوّج، أو استمهل الدّين فلم يُمهل، أو استنقص منه فلم يُنقص، وما أشبه ذلك ولم يَغضب، ولم يُعاقب، ولم يَتنكّر من حالِه حال، ولم يستشعر في نفسه أنّه قد حُفِي وأُوحِش، وأنّه لا يقابل كلّ ذلك إذا وجد السّبيل إليه بمثله، بل يُضمر أنّه لا يَعتدّ بشيء من ذلك، ويُقابل كلّا منه بما هو أحسنُ وأفضلُ وأقربُ منه إلى البرّ والتّقوى، وأشبهُ بما يُحمد ويُرضى، ثمّ يكون في إيفاء ما يكون عليه، كهو في حفظ ما يكون له، فإذا مَرِض أخوه المسلم عاده، وإن جاء في شفاعة شفّعه، وإن استمهله في قضاء دين أمهله، وإن احتاج منه إلى معونته أعانه، وإن استسمحه في بيع سَمَحَ له، ولا يَنظرُ إلى أنّ الّذي يُعامله كيف كانت مُعاملتُه إيّاه فيما خلا، وكيف يُعامل النّاس، إنّما يتخّذ الأحسنَ إماما لنفسه، فينحُو نحوه ولا يخالفُه» (مختصر شعب الايمان، للقزويني: 116- 117).

 

ولحسن الخلق أركان

وحسن الخلق إنّما يقوم على أركان خمسة: العلم والجودوالصّبر وطيب العود وصحّة الإسلام: (1) أمّا العلم: فلأنّه يعرف معالي الأخلاق وسفاسفها فيمكنه أن يتّصف بهذا ويتحلّى به، ويترك هذا ويتخلّى عنه. (2) وأمّا الجود: فسماحة نفسه وبذلها وانقيادها لذلك، إذا أراده منها. (3) وأمّا الصّبر: فلأنّه إن لم يصبر على احتمال ذلك والقيام بأعبائه لم يتهيّأ له. (4) وأمّا طيب العود: فأن يكون اللّه تعالى خلقه على طبيعة منقادة سهلة الانقياد، وسريعة الاستجابة لداعي الخيرات. (5) وأمّا صحّة الإسلام: فهي جماع ذلك، والمصحّح لكلّ خلق حسن، فإنّه بحسب قوّة إيمانه وتصديقه بالجزاء، وحسن موعود اللّه وثوابه، يسهل عليه تحمّل ذلك ويلذّ له الاتّصاف به. واللّه الموفّق والمعين. (تهذيب السنن لابن القيم، شرح سنن أبي داود: 13/130).

 

 

إنّ اللّه قسم بينكم أخلاقكم

  عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّ اللّه تعالى قسم بينكم أخلاقكم، كما قسم بينكم أرزاقكم، وإنّ اللّه عزّ وجلّ يعطي الدّنيا من يحبّ ومن لا يحبّ، ولا يعطي الدّين إلّا لمن أحبّ، فمن أعطاه اللّه الدّين فقد أحبّه، والّذي نفسي بيده لا يسلم عبد حتّى يسلم قلبه ولسانه، ولا يؤمن حتّى يأمن جاره بوائقه»، قالوا: وما بوائقه يا نبيّ اللّه! قال: «غشمه وظلمه...») (رواه أحمد، وروى الحاكم بعضا منه، وصححه ووافقه الذهبي).

 

آيات في حسن الخلق 1- (ن وَالْقَلَمِ وَما يَسْطُرُونَ، ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ، وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ، وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (القلم: 1- 4). 2- (..وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْناً وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ..) (البقرة: 83) 3- (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ) (المؤمنون: 96). 4- (وَقُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطانَ كانَ لِلْإِنْسانِ عَدُوًّا مُبِيناً) (الإسراء: 53). 5-(وَلا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ..)(العنكبوت: 46). 6- (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صالِحاً وَقالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ، وَلا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ، عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ، وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ)(فصلت: 33- 35). 7- (..وَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ، وَاقْصِدْ فِي مَشْيِكَ وَاغْضُضْ مِنْ صَوْتِكَ إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْواتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ)(لقمان: 17- 19).

 

أحاديث في حسن الخلق 1- (عن أبي ذرّرضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «اتّق اللّه حيثما كنت، وأتبع السّيّئة الحسنة تمحها، وخالق النّاس بخلق حسن»)(رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن صحيح). 2- (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم خلقا، وخياركم خياركم لنسائهم خلقا»). (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن صحيح). 3- (عن أبي أمامة الباهليّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أنا زعيم ببيت في ربض الجنّة لمن ترك المراء وإن كان محقّا، وببيت في وسط الجنّة لمن ترك الكذب وإن كان مازحا، وببيت في أعلى الجنّة لمن حسن خلقه»). (رواه أبو داود، قال النووي: حديث صحيح بإسناد صحيح).

4- (عن النّوّاس بن سمعان رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «البرّ حسن الخلق، والإثم ما حاك في صدرك وكرهت أن يطّلع عليه النّاس») (رواه مسلم) وجاءت عنده الروايتان (في صدرك)، (وفي نفسك).

5- (عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه قال: سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «ما شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإنّ اللّه ليبغض الفاحش البذيء») (رواه الترمذي، وقال: حسن صحيح، وأبو داود وإسناده حسن). 6- (عن عائشة رضي اللّه عنها قالت: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: «إنّ المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصّائم القائم»)(رواه أبو داود، وله شاهد صحيح عن أبي هريرة عند الحاكم، وصححه ابن حبان). 7- (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «إنّما بعثت لأتمّم صالح الأخلاق») (رواه أحمد، والحاكم، وقال: هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه ووافقه الذهبي). 8- (عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «إنّ من أحبّكم إليّ وأقربكم منّي مجلسا يوم القيامة، أحاسنكم أخلاقا، وإنّ أبغضكم إليّ، وأبعدكم منّي مجلسا يوم القيامة، الثّرثارون والمتشدّقون والمتفيهقون». قالوا: يا رسول اللّه قد علمنا الثّرثارون والمتشدّقون، فما المتفيهقون؟ قال: «المتكبّرون») (رواه الترمذي، وقال: حديث حسن، وصححه ابن حبان). 9- (عن أبي هريرة رضي اللّه عنه قال: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن أكثر ما يدخل النّاس الجنّة؟ فقال: «تقوى اللّه وحسن الخلق. وسئل عن أكثر ما يدخل النّاس النّار؟ فقال: «الفم والفرج») (رواه الترمذي، وقال: هذا حديث صحيح غريب، وقال غيره: حديث صحيح بشواهده، ورواه ابن حبان في صحيحه).

10- (عن عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ألا أخبركم بمن يحرم على النّار أو بمن تحرم عليه النّار: على كلّ قريب هيّن سهل») (رواه الترمذي وقال: هذا حديث حسن غريب). 11- (عن أبي ذرّ الغفاريّ رضي اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «لا تحقرنّ من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق») (رواه مسلم). 12-(عن أبي الدّرداء رضي اللّه عنه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: «من أعطي حظّه من الرّفق فقد أعطي حظّه من الخير، ومن حرم حظّه من الرّفق فقد حرم حظّه من الخير»)(رواه الترمذي، وقال: هذا حديث حسن صحيح).

 

آثار وأقوال في حسن الخلق

1- قال عليّ رضي اللّه عنه: حسن الخلق في ثلاث خصال: اجتناب المحارم، وطلب الحلال، والتّوسعة على العيال. 2- عن الحسن رضي اللّه تعالى عنه قال: حسن الخلق بسط الوجه وبذل النّدى وكفّ الأذى. 3-عن عبد اللّه بن المبارك رحمه اللّه تعالىحسن الخلق أن تحتمل ما يكون من النّاس. 4- قال الإمام أحمد رحمه اللّه: حسن الخلق أن لا تغضب ولا تحقد. 5- قال الماورديّ رحمه اللّه: إذا حسنت أخلاق الإنسان كثر مصافوه، وقلّ معادوه، فتسهّلت عليه الأمور الصّعاب، ولانت له القلوب الغضاب. 6- قال بعض البلغاء: الحَسنُ الخلقِ من نفسه في راحة، والنّاسُ منه في سلامة، والسّيّءُ الخلق النّاسُ منه في بلاء، وهو من نفسه في عناء.

 

من فوائد حسن الخلق 1- حسن الخلق من أفضل ما يقرّب العبد إلى اللّه تعالى. 2- إذا أحسن العبد خلقه مع النّاس أحبّه اللّه وأحبه النّاس. 3-لا يُكرّم العبد نفسه بمثل حسن الخلق ولا يُهينها بمثل سوئِه. 4- حسن الخلق يحوّل العدوّ إلى الصّديق. 5- يدرك المرء بحسن خلقه درجة الصّائم القائم. 6- حسن الخلق يحرّم جسد صاحبه على النّار. 7- وبالخلق الحسن يكثر المصافون ويقلّ المعادون.

 

 

 

سلسلة قيم وأخلاق إسلامية(10)/الشيخاني ولد عبد القادر

السراج TV