بكثرة الإحسان لا بكثرة الركعات/د. ديمة طارق طهبوب
الخميس, 05 ديسمبر 2013 13:30
   بكثرة الإحسان لا بكثرة الركعات           "يحرص على الصلاة في وقتها أكثر مني و لكنه يهينني أمام أولادي!" استوقفتني هذه العبارة تحديدا في معرض شكوى صديقة توشك على الطلاق من زوجها و ذلك بعد أن سألتها عن دينه! فقد دخلت الإجابة الى أذني سماعيا و لكن العقل وقف لها بالمرصاد! فكيف يمكن أن يحرص على الصلاة بالذات و التي هي المطهرة المتكررة من الذنوب و الجرس الدائم الذي يقرع قلب مؤديها أن ميزان قبولها هو الانتهاء عن المنكر و القيام بالمعروف و من ثم يؤذي أقرب المقربين؟! ببساطة لم تفعل الصلاة فيه فعلها التي شرعت من أجله بأن تصلح أمره أولا ثم تكون منطلقا و زادا لاصلاح الحياة، بل لقد جاء الأمر الرباني موحيا بظلال علاقة الرجل بأهله "و أمر أهلك بالصلاة" و أن حرص الرجل على الصلاة يولد حرصا على أهله و من أراد حماية أهله من النار يوم القيامة لن يقبل أن يصيبهم شيء من عنت الدنيا و سموم نكدها، بهذا الفهم فقط تترابط الخيوط و يستقيم فهم العبادات و الشعائر كوسائل لبناء الإنسان و إعمار الحياة و إللا فأين تذهب قراءة الآيات التي توصي بالنساء و بالحياة الزوجية و بالأسرة خيرا، أم أن الطرفة التي تقول أن الرجال لا يحفظون من الآيات سوى أربعة و حديث : "الرجال قوامون على النساء، مثنى و ثلاث و رباع، إن كيدكن عظيم، للذكر مثل حظ الأنثيين، و حديث النساء ناقصات عقل و دين" حقيقة عند بعض الرجال من أنصاف العقلاء و أنصاف المتدينين؟! كم يسيء أدعياء الدين و المستشيخون الى الدين أكثر من أعداءه، و كم يوصم الدين بظلم المرأة و يُسب عليه بجهالة هؤلاء؟! فهل الأخطاء فردية و هل هؤلاء نماذج شاذة أم أنهم ظاهرة متزايدة مع تزايد التدين الشكلي لأناس لا تجاوز عباداتهم ذواتهم فلا يراها الناس و الأقربون الأولى بالمعروف خصوصا في واقع التعامل معهم؟! تعرف المجتمعات المتحضرة برحمتها بالفئات المستضعفة كالنساء و الأطفال و كبار السن بحيث تكفل الدولة عن طريق قوانينها الدفاع عنهم في حالة انتهاك أصحاب المسؤولية المباشرة و الرعاية و الولاية لهم فالدولة ولي من لا ولي له و في زمن حضارتنا انتصر الاسلام للمرأة قبل كل المواثيق و الأعراف الدولية و حقوق الانسان و كفل لها حق الحياة و نوعيتها حتى أنه جعل الإحسان اليها سببا في دخول الجنة، و أثبت لها الاستقلالية المادية و الكرامة الوجدانية و العقلية و حرية القرار في أدق و أعظم التفاصيل في حياتها، و مضى الصحابة على نهج القرآن و سنة الرسول صل الله عليه و سلم، فها هو عمر الفاروق كما يذكر الدكتور أحمد خيري العمري يجعل من رغبة المرأة و عواطفها سببا في تغيير قوانين الدولة فيما يخص الجيش الذي يحدد مصير الأمة! امرأة اشتاقت لزوجها المرابط في الثغور كانت سببا في استصدار قانون للجيش أن لا يغيب الرجال في الثغور أكثر من ستة أشهر! عندما كان الناس يفهمون الدين بأكثر من الصلاة و الصيام و العبادات التي تنتهي بأدائها كان الدين منهاج حياة لا يراكم الحسنات في حياة المرء في ميزان الآخرة فقط بل يراكم السعادة و قرة العين في ميزان الدنيا لأجل خاطر امرأة و حفظ أسرة و صيانة الأخلاق تُقلب موازين الدولة و تفتح البلاد لأجل صرختها و الآن أغلب النساء منتهكات على كل الصعد و لا عين تدمع و لا قلب يحزن و لا ولي يتحرك و لا دولة تنصر!! لقد أفهمنا الله أن كثيرا من الناس يعملون أعمالا يحسبون أنهم بها يحسنون صنعا و لكنهم في ميزان الله من الأخسرين أعمالا الذين ضل سعيهم لأنها أعمال تحبط بعضها بعضا و يفسد أولها آخرها فالذي نزع الله الرحمة من قلبه على زوجته  و عياله لن يجدها بينه و بين الله في العبادات و صدق قول الحسن البصري "اذا رأيتم الرجل يقتر على عياله فاعلموا أن عمله مع الله أخبث" و هل أسوأ من التقتير العاطفي و التقتير في المعاملة بالحسنى؟! كتبت نوال السباعي " كم هم كثرة اولئك الذين يشوهون إيمان المرء بربه و يقينه بدينه، كم هم كثرة و لحاهم طويلة و يحفظون آيات من القرآن و لكنهم لو آمنوا حقا لرأيت ذلك في أخلاقهم و لكنهم لم يفهموا حقيقة الإيمان فاضطرب سلوكهم مع الناس و أساؤوا الى أقرب الناس إليهم!" نعم مثل هؤلاء كثر و لكن الدين منهم براء فإذا عاشرتم مثل هؤلاء فلا تسيئوا الظن بالدين الذي أعطى به الله للنساء ما يكفل حياة نوعية تجعل من الدنيا جنة في انتظار الوصول الى جنة الآخرة أيها الرجال و النساء زنوا عباداتكم بموازين الله بالتطبيق العملي عندها فقط يكون الأمل أن تجد لها قبولا عندرب العزة و لا ترد في وجوهكم كالخرق البالية.بكثرة الإحسان لا بكثرة الركعات/د. ديمة طارق طهبوب

السراج TV