التقويم الدعوي/ د.عادل الشويخ |
الجمعة, 06 ديسمبر 2013 13:43 |
وهي رسالة صدرت ضمن مجموعة رسائل العين، التي أصدرتها دار البشير للثقافة والعلوم عام 2004، ونظرا لتطاول العهد بها، وقلة وجود هذا النوع من الأعمال الدعوية على المواقع الموريتانية، يعيد السراج الدعوي اليوم نشر الرسالة راجيا من الله القبول، وللقراء الإفادة. التقويم الدعوي يحتاج الداعية المربي – وأحيانا بعض الدعاة إلى عملية تقويم دعوية مستمرة لبعض الأفراد أو كلهم داخل الصف وخارجه، ضمن دائرة الالتزام الإسلامي العام ، أو حتى خارج هذه الحدود ، وقد تكون عملية التقويم هذه جرحاً أو تعديلاً ، تضعيفا أو توثيقا ، بل وقد تتضمن كليهما معا، كما قد تكون ملجمة أو فيها بعض التفصيل ، وكذلك فإن عملية التقويم قد يقوم بها الداعية حول من هم دون مستواه أو من أقرانه ، وقد تقوم بها أحيانا مجموعة بأكملها، وقد يمارسها شخص وأحد في أحيان أخرى. والعملية التقويمية بشقيها رغم أنها عمل تربوب وإداري إلا أنا قد تمارس من قبل عموم الدعاة عند بعض الظروف ، وبالإضافة إلى كل ذلك فإنها قد تمارس بسبب ضرورات العمل ولها ما يبررها ، وقد تمارس أحيانا وبشكل خاطئ، حيث تتم بسبب الترف الفكري ، أو حب استغابة الناس، أو الغلو النظري في بعض الأحيان تلذذاً بالعمل العقلي المرافق لها.
سلبيات وإيجابيات إن عملية التقويم جد ضرورية ولا محيد عنها في الجماعة المسلمة وذلك لتنوع الولايات ومقاصدها في العمل الإسلامي مما يقتضي معرفة الأفراد وتقويمهم حتى يمكن إسناد تلك الولايات لهم ، كما أن معرفة الأنصار والأعداء والدرجات المتفاوتة لهم هي الأخرى ضرورية للعمل الإسلامي في المجتمع. ولا غنى عنها لأي خطة تنفيذية أو سوقية ، قريبة المدى أو بعدة ، لأن الإنسان ، في العمل الإٍسلامي على وجه الخصوص باعتباره عملاً بشرياً من أهم أركان هذه الخطط ، وأكثرها تأثيرا في عوامل النجاح أو الفشل. ورغم أن أهمية هذه العملية ، إلا أنها قد تستعمل بشكل خاطئ داخل الجماعة المسلمة ، وقد تفتقد إلى شيء من المنهجية أو الموضوعية فتقل الاستفادة منها إلى حد كبير والسبب في ذلك أن البعض يسرف في استعمال حقه في التقويم حتى تتحول العملية إلى نوع من التجريح أو إلى منبر للإطراء والمديح ، وبالتالي يندفع أصحاب اتجاه مضاد- يسبب من الشعور المرهف_- إلى إيقاف العملية والإدعاء بأن هذا الأمر مخالف للتقوى والورع ، فتسند الأعمال لغير أصحابها ، ويوسد الأمر لغير أهله، بل وأحيانا يقع بعض المربين بالأمرين معا فيسرف في مجلس ، وتردكه حساسيته المرهفة في مجلس آخر فيمتنع عن الإدلاء برأية بالأشخاص، فتتعطل بعض المصالح بسبب ذلك، وللقضية وجه سلبي آخر. فقد يمارس الدعاة حقهم في التقويم دون إفراط أو تفريط ، ولكن دون استناد على أساس منهيج، فقد يذكر البعض نقاط القوة لشخص في مجالات ليست هي بمناط البحث، إذا يثنى على ورح الشخص وعبادته وعلمه الشرعي في مجال ترشيحه لكتابة سياسية ، وقد يثنى على شخص آخر بالشجاعة والنشاط في مجال ترشيحه لمهمة شورية، وهكذا إطار الذم والتجريح ، والبعض الآخر يبنى الجرح والتعديل على أساس من المسائل الذوقية والشكلية ، والبعض يتقن فن المديح والإطراء شعوراً منه أن هذا هو واجب الأخوة والمروءة دون النظر لمصالح العمل، بينما يوجد من هو على النقيض إذ يتقن فن النقد والبحث عن الأخطاء دون النظر إلى نسبة الموازين ، وصلح الفرد لمهمة دون أخرى ، وأن الكمال في البشر نادي ، واجتماع الفضائل معوز ، وهكذا تضيع الموازين والإفراط والتفريط. إن هذا كله يقتضي دراسة هذا الأمر والتنبيه على العيوب المنهجية ، ووضع بعض القواعد والأسس ليهتدي بها المربون في أداء العملية التقويمية.
أصالة وانتماء لا شك أن عملية التقويم هي أحد فنون معرفة الناس وأحوالهم بشكل عام ( أي يمكن اعتباره من علوم الأنثروبولوجي ) ، وهو علم إسلامي أصيل ابتدأ كأحد علوم الحديث النبوي الشريف ، وتميزت الحضارة الإسلامية به. وفي الواقع أن استعمال التقويم في الإطار الجماعي اليوم رغم أنه قد يستند إلى بعض ملامح الجرح والتعديل في علم الحديث، إلا أن القياس المطلق لا يصح دائما ، لوجود فرق جوهري، وهو أن الجرح في علم الحديث أو التعديل هدفهما معرفة الرواي على وجه الخصوص، من حيث ثقته وقدرته على الراوية ، أما في التقويم الدعوي فلأجل معرفة أي إنسان أو داعية ، ومن حيث مجمل قدراته ونقاط الضعف فيها، والأصل في ذلك أن الجرح والتعديل يخدم في النهاية صحة ( النص النبوي) وما يترتب عليه في درجة ضعف الرواية أو صحتها، بينما التقويم الدعوي يخدم جملة المقاصد الكلية والنهائية للعمل الدعوي. وبالرغم من أن النظر الدقيق يثبت أن الأصل واحد ، إذ أن البحث الفاحص في كل منهما مرده إلى معرفة من صفتي القوة والأمانة، والأمانة صفة مشتركة في التقويمين ، إلا أن نقطة الافتراق هي نسبية القوة، إذ هي عند رواة الحديث تعنى الضبط والحفظ بينما تعنى في النشاط الدعوي جملة متباينة ، ومجموعة متنوعة من الخصائص. ولهذا يقال في تعرف الجرح – اصطلاحاً – عند أهل الحديث: )ظهور وصف في الراوي يقدح في عدالته وحفظه وضبطه مما يترتب عليه سقوط روايته أو ضعفها أو ردها). والتعديل: ( هو من لم يظهر في أمر دينه ومروءته ما يخل بهما ، فيقل لذلك خبرة وشهادته إذا توافرت شروط الأداء). فيؤخذ من التعريفيين أن مناط الحكم على صفة الراوي فيما يتعلق بالرواية ونقل النص. دون الالتفاف إلى خصائص الأخرى، بينما في العمل الدعوي يمكن تعريف التقويم بما يخدم الخصائص الأخرى، فيقال: )معرفة أوصاف الإنسان بشكل متكامل مما يترتب عليه إسناد ولاية معينة له ، أو إتخاذ موقف تجاهه سلباً أو إيجابيا). وهذا التعريف يخدم المقاصد المختلفة التي تبنى على جملة خصائص وأوصاف الإنسان.
يتواصل..... |